@tab6_khayran
يعاني من مرض لا يجد له علاجا، فينطلق في رحلة مضنية يجوب خلالها الشوارع، ويلتقي مختلف الشخصيات، من قاض سابق إلى موسيقي ورجال أعمال، عسى أن يدلوه على مكان زعبلاوي الشخص الغامض، الذي يشاع أنه لديه قدرة خارقة على شفاء الأمراض الجسدية والروحية.. ورغم أنهم جميعا سمعوا عنه، فإن أحدا لا يعرف مكانه على وجه التحديد. في لحظة يأس، يذهب إلى حانة، قيل له إنه يتردد عليها، فيغيب عن وعيه ويرى زعبلاوي في حالة أشبه بالحلم، فيشعر بطمأنينة وراحة روحية لم يختبرها من قبل. لكنه حين يستفيق يكتشف أن الرجل قد رحل، وسبب اختفاء زعبلاوي هو أن الشرطة تبحث عنه لأنه نصاب، هذا مختصر قصة زعبلاوي لنجيب محفوظ.
قد يكاد لا يوجد إنسان معاصر إلا وله زعبلاوي الخاص فيه، فزعبلاوي هنا رمزية للبحث عن سراب، والركض وراء الأوهام، نحن نعيش في زمن متسارع، التغيرات فيه سريعة، لم يحصل في تاريخ البشرية، أن تحدث مثل هذه العجلة في التغيرات، والإنسان الحالي عليه ضغط اجتماعي ومعرفي بأن يساير جميع هذه التغيرات، خصوصا المادية منها، والويل كل الويل لمن لا يساير هذه التغيرات، فإن أوقفت الزمن عندك، ورفضت أن تسايره، لا تستطيع أن توقفه عن أبنائك أو المحيطين بك، وإلا اعتبرهم أقرانهم متخلفين. هذه الماديات أصبحت زعبلاوي عصرنا، نركض وراءها دون أن ندركها، وكلما اعتقدنا أننا أدركناها، نعيش نشوة الانتصار، ولكن نكتشف بعدة فترة أننا لم ندركها، ونعود للبحث من جديد.
أعتقد أن أصعب مهمة للإنسان المعاصر هي الموازنة بين الماديات التي يفرضها علينا زمننا، والمعنويات التي لا نستطيع كبشر العيش والاستمرار بدونها، يكاد يكون كل شيء يدعونا للتركيز على الماديات، التي لو لحقناها سنتعب مثل العطشان الذي يركض خلف السراب، فلا هو أدركه وارتوى ولا هو بحث عن المعنى الحقيقي للحياة الذي يملأ روحه وفكره. بتجول بسيط في المجمعات التجارية المحلية والعالمية، نلاحظ طوابير بشرية للحصول على زعبلاوي، الذي قد يتشكل على شكل ساعة من «ماركة» معينة، أو هاتف نقال جديد، وأحيانا سيارة، بينما تجد إهمالا للجوانب المعنوية، التي تجلب الاستقرار النفسي للفرد والمجتمع، وهذا ما تؤكده العديد من الدراسات التي تقول إن نسبة التوتر لدى الإنسان المعاصر أكثر بكثير من أجداده، ومنها معهد القياسات الصحية والتقييم (IHME) العالمي الذي يوثق ارتفاعا عاما في الاضطرابات النفسية على مستوى العالم، موضحا دور البيئة الحضرية المجهدة وسرعة وتيرة الحياة المعاصرة في تفاقم مشاعر التوتر والقلق.
هذه ليست دعوة للتخلي عن الماديات، والتحول للحياة الصوفية أو Minimalism، إنما هي دعوة للتوسع التدريجي البسيط المستمر في إدخال المعنويات، والتركيز أكثر على المفاهيم المعنوية، ونشر المعرفة في هذا المجال. المشكلة في هذا، أننا كبشر نعتقد أننا عندما نعرف مفهوم الأمانة مثلا، نعتقد أننا نطبقه، لكن في الواقع هناك الكثير من المفاهيم المعنوية التي نعرفها، لكن لم نحولها لسلوكيات حقيقية، نعمل بها في أرض الواقع، لذا مجرد التركيز والتفكر في المعاني المعنوية، ومدى تطبيقنا لها على أرض الواقع، ومحاولتنا للاقتراب من المعنى المثالي لها، قد يحدث لنا فرقا كبيرا من ناحية الصحة النفسية واتزانها.