افتقدت بعض الأسر الرحمة في ظل ضغوط الحياة وتزايد أعباء المعيشة، وقلة العلم وضعف الروابط الأسرية، حيث بات العنف ظاهرة تهدد استقرار المجتمع وترابط الأسر، فضلا عن الإهمال والغفلة عن أهميته، فيتم إسناد التربية إلى الخدم دون الالتفات إلى أي اعتبارات قيمية وعمرية، باعتبار أن الأطفال في تلك المرحلة لا يحتاجون غير اللباس والغذاء، بينما ذلك من أكبر الأخطاء التربوية، التي لها أثر بالغ في مخرجات السلوك لدى هؤلاء الأبناء في المستقبل.
ولا شك أن العنف والقسوة والشدة في معاملة الأطفال، وعدم الرفق واللطف واللين في معاملتهم، يفضي إلى ظواهر سلبية خطيرة على الشخص والمجتمع، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى تهديد أمن المجتمع وأمن الأسرة بسبب هذا العنف.
والواجب على ولي الأمر أن يلتفت إلى أسلوب معاملته في بيته لزوجته وأولاده وبناته، ليعلم كيف يأسرهم بحبه وعطفه وحنانه، وليس بالمعاملة التي أفرزت ألوانا غريبة من السلوكيات والأخلاقيات.
ومن أخطر نتائج العنف الأسري سواء على الزوجة أو على الأبناء التفكك الأسري، الذي ينعكس سلبا على سلوك الأبناء والبنات، ولاسيما في مرحلة الطفولة، وإن من العقل والفطنة أنه إذا كان بين الرجل وزوجته خلاف، ألا يظهرا هذا الخلاف أمام الأطفال، وإن دار بينهما حوار اقتضى إلى رفع الصوت يسيرا، أو إلى لجاجة في الجدال بينهما، ألا يكون ذلك أمام الأطفال سواء من البنين أو البنات.
أما الغضب، والحماقة، والرعونة، والجفاء، وسرعة الغضب التي تبلغ ببعض أصحابها إلى استخدام أساليب غريبة في العقوبة، فهذا مما لا يليق تماما ببيوتنا نحن المسلمين.
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يأمرنا بعدم الغضب، حيث قال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء يلتمس الوصية والنصيحة: «لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب»، بل قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق ما جاء في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه»، الرفق في كل شيء، حتى في معاملة الأطفال والصغار، والزوجات والكبار، وغير ذلك.
ومن نتائج العنف والقسوة والشدة التي ليس لها مسوغ، خروج شخصيات هزيلة ضعيفة، لا تعرف التعامل في محيطها الأسري أو المجتمعي، فضلا عن العقد النفسية التي تحملها إذا كبرت وشقت طريقها في الحياة.
وكذلك فإن العنف في المعاملة ينتج الانطواء والخجل والخوف من الكبار، وتبلد الأحاسيس والمشاعر، وقبول الخنوع والخضوع والدون، والرضى بالذل والمهانة، بل ويفضي إلى الفرار من المنزل، والسلبية، وعدم التفاعل من قبل هؤلاء الأطفال مع محيطهم في طفولتهم، بل وإذا كبروا أيضا، وينتج عدوانية وفوضى وشعورا دائما بالخوف والقلق والضعف والهزيمة، والشعور بالعدوان، ناهيك عن الفشل في الدراسة والتعليم، وعدم الثقة بالنفس، واضطراب الشخصية.
أما ما يفضي إليه العنف من الوقوع في براثن المخدرات وألوان المسكرات، فحدث ولا حرج فكثير من الناشئة الذين وقعوا ضحية هذه المخدرات، باتوا أسرى لها، بسبب العنف في المعاملة، وعدم الرحمة والرفق واللين فيها.
إن من أعظم نعم الله على الإنسان في هذه الحياة نعمة الزوجة الصالحة والأولاد، فهم منحة إلهية، وهبة ربانية، يختص الله بها من يشاء من عباده، وإذا أردت أن تعرف عظيم منة الله عليك بهذه النعمة فانظر إلى من حرمها كيف يحترق ويتمنى أن يرزق ولدا يملأ عليه دنياه فرحا وسرورا، لذا عليك شكرها والإحسان إليها بالرفق واللين وخفض الجناح، فهذا من تمام شكرها.
فقد قال المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم : «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه»، وقال مخاطبا أمنا عائشة -رضي الله عنها-: «عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه».
الرفق مزية وزين، والعنف منقصة وشين، فلا تعنف على أهلك حتى يخافوا منك وتتبدى لهم وكأنك وحش لا يرحم، وتذكر وصية النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم».