من الغريب في طبائع النفوس أنها تتلذذ وتسترسل بالخوض فيما لا يفيد، وتقطيع الوقت فيما لا ينفع، بل ما أسرعها في تتبع العورات، والاشتغال بالعثرات، والانصراف إلى النقد غير البنّاء! ولو تأملت وتفحصت لرأيت وأدركت أنه لا يهتم بالصغائر إلا الصغار، ولا يفتش عن المساوئ إلا البطالون.
تأمل هذا الحديث العظيم، فهو مقياس الأدب، ودليل الورع، ومنهج المحاسبة، ومظهر التقويم والتقوى: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، رواه أحمد
كلنا يسعى لأن يكون ذا إسلام حسن، وخلق رفيع، فما بال أقوام يأبون إلا التدخل في شؤون الناس! إن مما يجمل المرء ويزينه، ويجعله شامة بين الناس، أن يدع الخلق للخالق، ويصرف قلبه عما لا يعنيه، فليس من بضاعة المؤمن الأريب، والعاقل اللبيب، أن يشتغل بفضول الكلام، أو يجاري الجهلاء في القيل والقال، فأخلاقه العليا، وقيمه المثلى، تضفي عليه الاحترام وجميل الحياء.
إذا كان القرآن يأمرنا بأن نترك من ضل بعد أن يؤدي المؤمن ما عليه من نصح وإرشاد، ويطمئنه بأن في ذاك راحته، ولا يضره غوايتهم، فكم من راحة يجنيها لو ترك الناس وخواص شؤونهم! إن المتأمل المتبصر عندما يدع الخلق للخالق يدرك أن في ذلك حفظا لكرامته وكرامة الناس، بل كرامة المجتمع بأسره، فلنحمد الله على نعمة الاستقرار في المجتمع، والأمن في الوطن.
الإنسان يشتغل بما يهمه وينفعه من أمور معاشه ومعاده، فإن العمر قصير، والناقد بصير، والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا يتأتى ذلك إلا بتنظيم الوقت التنظيم الجيد، ووضع الخطط الحازمة لحسن استغلاله، فإن من نجح في استغلال وقته وحسن تنظيمه، وجد لذلك من الثمرات ما لا يحصى، ولم يكن له في توافه الأمور مقصدا ولا مغزى، فتنصرف نفسه عن السفاسف، وتتجه إلى المعالي.
فإن كان في المجتمع ظاهرة تحتاج إلى علاج، فليأخذ الناصحون والمختصون بالأساليب العمومية، دون تشهير وإحراج.
والله أسأل أن يصلح الأحوال.