في صيف العام الحالي، شهدت منصة تطبيق تيك توك الصيني تداولا لفيديو قصير يظهر أن درجة الحرارة في الأماكن المفتوحة بالكويت بلغت 74 درجة مئوية، مما لفت أنظار الشعب الصيني على نطاق واسع. وبالتزامن مع ذلك تقريبا، تعرضت مدينة تشنغتشو الصينية القليلة الأمطار، لكارثة الأمطار الغزيرة الهائلة التي وصلت شدتها إلى 696.9 مليمترا خلال 24 ساعة، وهذه الكمية غير المسبوقة خلال ألف سنة، قد تجاوزت الكمية الإجمالية للأمطار في مدينة تشنغتشو في العام بأكمله عامة، وخلفت خسائر بشرية ومادية فادحة. وبهذه المناسبة، بعث صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد ببرقية تعزية إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، ورد الرئيس شي على سموه ببرقية شكر جوابية. نتشارك معا في تغير المناخ حارا أم باردا، قد باتت تداعيات تغير المناخ السلبية على الكوكب الأرضي أبرز وأوضح مع مرور الزمن. تولي قيادة كل من الصين والكويت اهتماما كبيرا بملف تغير المناخ، وبعثتا ممثليهما للمشاركة في قمة المناخ المنعقدة في غلاسكو البريطانية، كما ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة تحريرية فيها، موضحا الرؤية الصينية لمواجهة تغير المناخ مرة أخرى.
أشار الرئيس شي جينبينغ إلى أهمية الحفاظ على التوافقات المتعددة الأطراف. ويعد تغير المناخ تحديا عالميا، وتعددية الأطراف هي الوصفة الناجعة للتصدي له. لم تتوصل البشرية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ واتفاق باريس إلا بعد بذل جهود شاقة، فيجب احترام هذه التوافقات القانونية الأساسية من قبل كافة الأطراف. وحسب نتائج الإحصاءات التي قام بها العلماء، يبلغ نصيب الفرد لإجمالي الانبعاثات الكربونية للصين منذ عام 1900م 160 طنا، بينما يبلغ ذلك عالميا 210 أطنان وفي الولايات المتحدة 1250 طنا، ويبلغ متوسط ذلك في الدول الصناعية السبع G7 950 طنا، الأمر الذي كشف عن أن الدول النامية في موقع الضعف فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية، ويجب على الدول المتطورة تحمل مسؤوليات أكبر عن تخفيض الانبعاثات، وذلك لا يقتصر على المزيد من التخفيضات الذاتية، بل تقديم الدعم التكنولوجي والتمويلي للدول النامية لتحسين أدائها في هذا الصدد.
وأشار الرئيس شي جينبينغ إلى أهمية التركيز على العمل على أرض الواقع. «إن الأقوال ورقة والأفعال ثمرة». وجدد الرئيس شي خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الحالي، التعهد بأن الصين ستعمل جاهدة على بلوغ الانبعاثات الكربونية ذروتها قبل عام 2030 وتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060، وذلك بمعنى أن الصين وبكونها أكبر دولة نامية في العالم، ستنجز أكبر تخفيض للانبعاثات الكربونية في العالم، وتحقق بأسرع وقت في تاريخ العالم حياد الكربون بعد بلوغ ذروة الانبعاثات الكربونية فيها. إن ذلك يتطلب جهودا جبارة للغاية، لكننا سنقوم بكل ما في وسعنا للوصول إليه. ويبين الكتاب الأبيض «سياسة الصين وتحركاتها لمواجهة تغير المناخ» الصادر في وقت سابق من العام الحالي، أن مستوى الانبعاثات الكربونية للصين في عام 2020 شهد انخفاضا بـ 48.4% مقارنة بما كان عليه في عام 2005، مما حقق وتجاوز هدف تخفيض انبعاثاتها الكربونية بـ 40% إلى 45% بحلول عام 2020، والذي تعهدت الصين بتحقيقه أمام المجتمع الدولي. وفي الفترة الأخيرة، أصدرت الصين «الرؤية بشأن حسن إنجاز الأعمال المطلوبة لتحقيق بلوغ ذروة الانبعاثات الكربونية وحياد الكربون على أساس التطبيق الكامل والدقيق والشامل للمفهوم الجديد للتنمية» و«خطة العمل لبلوغ ذروة الانبعاثات الكربونية قبل عام 2030»، اللتين وضعتا النقاط على الحروف للجدول الزمني وخريطة الطريق وخطوات التنفيذ في هذا الجانب. كما أن الصين ستعمل على دعم الدول النامية الأخرى لتطوير الطاقة الخضراء والمنخفضة الكربون، ولا تقوم بتشييد مشاريع جديدة للطاقة الفحمية خارج البلاد.
أشار الرئيس شي جينبينغ إلى أهمية تسريع وتيرة التحول الأخضر، «إن المياه النقية والجبال الخضراء هي بمنزلة جبال من الذهب والفضة». إننا، من ناحية، نتبنى مفهوم مجتمع مشترك للحياة بين الإنسان والطبيعة، واتخذنا إجراءات ملموسة للحماية فيما يتعلق باستغلال الغابات والأراضي، أدت إلى نتائج مميزة متمثلة في ازدياد نسبة تغطية الغابات في الصين إلى 23.04% اليوم بعد أن كانت 12% في الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك يعتبر إسهاما بربع المساحة الجديدة التي تم تخضيرها عالميا. كما ظلت الصين تعمل على معالجة التصحر بشكل مستمر، وأنجزت التحول التاريخي من «تقدم الصحراء مقابل تراجع الإنسان» إلى «تقدم الأخضر مقابل تراجع الصحراء»، وبذلك حققت الهدف الذي وضعته الأمم المتحدة للوصول إلى زيادة صفرية للأراضي المتدهورة بحلول عام 2030، وأسهمت بخمس المساحة الصافية للأراضي التي تمت إعادة تأهيلها في العالم. ومن ناحية أخرى، تعمل الصين على دفع تغيير وتحسين هياكل الطاقات والثروات والصناعات والاستهلاك، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخضراء، باتخاذ الإبداع العلمي والتكنولوجي محركا دافعا. كما تعمل الصين أيضا على استكشاف طريق جديد متسم بالتناسق بين التنمية والحماية.
تعد الصين ودول المنطقة، بما فيها الكويت، شركاء تعاون طبيعيين من زاوية الرؤية والتحركات لمواجهة تغير المناخ. أكد سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد في قمة مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، مؤخرا أن الكويت تدعم وستشارك في التعاون لتنفيذ المبادرة، وذلك بالتزامن مع مشاركة وفد الكويت في قمة المناخ «كوب 26» برئاسة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد، والتي جسدت اهتمام الكويت وعزمها لمواجهة تغير المناخ وتعزيز الحوكمة العالمية للمناخ. إن الجانب الصيني مستعد للعمل مع الجانب الكويتي وغيره من دول المنطقة على تقوية التعاون وبذل جهود دؤوبة بانتهاز فرصة انعقاد قمة المناخ هذه وقمة مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر»، وذلك على سبيل تقديم مساهمات لحماية الديار المشتركة للبشرية.