خلفت حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة خرابا موسعا، فاستهدفت العزل، الذين كانوا هدفا سهلا للنيران، ليصب المعتدي جحيمه من البر والبحر والجو، فلم يسلم من سعيرها الإنسان والبنيان، أياما طوالا مرت كدهر، تمارس بحق الأبرياء أبشع الانتهاكات، التي تتعارض والمواثيق الدولية، في صمت فاضح، انحرف فيه ميزان الإنسانية، اغفل العالم المتحضر المحرقة التي التهمتهم، ليعانوا لباس الخوف والجوع، مع حصار جائر، أوذوا فيه وزلزلوا زلزالا شديدا.
لقد تحمل أهلنا بالقطاع صنوف القهر، لاعتداءات متواصلة لم يرع فيهـا المــحتل «إلاً ولا ذمة»، لم يوقر شيخا، ولم يرحم طفلا أو امرأة، ولا أسيرا ولا جريحا، بل كانت آلة القتل والتنكيل نهمة، فامتلأت الساحات بالقتلى، وفاضت المشافي بالجرحى، والطرقات بالعجزة، يتواثب صراخ الأطفال ينخلع له العقل، مسح الخوف عن كل قلب سروره، وانتزع منه أمنه، شهورا امتدت طوابير المهجرين في تيه تغلفه المجازفة، فالموت من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
تفاقم الخطب، مرت الأيام محملة بالألم، حتى بلغت القلوب الحناجر، لكن جباه أصحاب الأرض ظلت مرفوعة في شموخ لا يلين، وإصرار على التحدي، مشت الأيام عصيبة، افترشوا الأشواك، ولبسوا المنية، تختزل الأماني كسرة خبز وجرعة ماء، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
في تلك الأثناء، ظلت الكويت وشعبها على العهد، تناصر وتشد العزم، تهبهم ما يغالبون به أسباب الفناء، تجانس المزاج الشعبي، مع توجيهات القيادة بالوقوف في ظهر المنكوبين، فكانت الفزعة الكبرى التي قادتها مؤسسات العمل الخيري، تتدفق تحركاتها بالعطاء، تحمل الطمأنينة بردا وسلاما، من غذاء وكساء ودواء ومستلزمات إعاشة.
تطوي غزة عما قريب مرحلة مرهقة من مراحل المواجهة المحتومة مع المحتل، ملطخة بدماء الشهداء، وعاهات الجرحى، لكنها بقيت في عنفوان وكبرياء.
إن السؤال الذي يقفز للواجهة، حتى وغزة تلتقط أنفاسها، ويتلاشى الغبار، ماذا بعد؟ فالمعاناة لم تنته، نعم، توقف أزيز الطائرات، وخفت أصوات الانفجارات، بيد أن معركة البناء والإعمار واستعادة التوازن هي التحدي، فلابد من برامج فعالة، وخطط جادة، تزيل أطلال الركام، وتسارع بمعالجة تشوهات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، لكي تتخلص غزة من الأعراض الجانبية، لسعار الانتقام من عدو مهووس بالدماء، يحتاج ذلك لتكلفة باهظة، فمحاولة التجريف الإجرامي التي أفرغت القطاع من المرافق والمنشآت، وهدمت البنى التحتية، وألقت بآلاف البؤساء بالعراء، قد مسهم الضر، ليست سهلة.
إن القادم ينتظر بفارغ الصبر جهود المؤسسات الخيرية والإنسانية، كي تطرح الأمل، وتقوي الهزال الإنساني، ولعل كلماتي، هي دعوة مسبقة تتخذ سبيلها لإغاثتهم، تناشد أهل الخير، فما بين معانة البقاء وطموحات الإعمار أصعب الأشواط، فتضميد الجراح يستلزم الوعي المدروس بالواقع، حتى لا تتبخر الأماني، وإني على يقين بجاهزية المجتمع الخيري الكويتي لتولي زمام المبادرة.