قبل 3 سنوات وبالتحديد في 2017، ألقيت محاضرة في جامعة Arizona State University الأميركية بعنوان «خطّط لمستقبلك المهني» ووجّهت تلك المحاضرة الى شبابنا الخليجي في أميركا، توعية لهم بما هو قادم من تحديّات اقتصادية ورسم صورة مستقبلية لحياتهم المهنية.
ومن خلال تلك المحاضرة هاجمت فكرة «الوظيفة المؤمَّنة» وأوضحت أن مصطلح «الوظيفة» سيندثر، وإذا ما اندثر، سيتغير مفهومه ومعناه المتعارف عليه الموروث من آبائنا وأجدادنا.
وأسهبت أيضاً في فكرة أن الوظيفة قد تكون جسرا مؤقتاً أو مهمة صغيرة تنتهي بانتهاء هدف قصير الأجل، وان تفكيرنا ونظرتنا لمستقبلنا يجب أن يتعدى مفهوم الوظيفة وينتقل إلى مفهوم المهنة والمستقبل المهني الذي يحمل معه الكثير من التحديات والمخاطر، عكس ما عهدناه من أمان وظيفي، خاصة المرتبط بالوظيفة الحكومية.
وشددت في تلك المحاضرة على أن المستقبل المهني يحتاج إلى 10 مهارات يتقنها الشخص لينجو أمام هيمنة الاقتصاد الإبداعي وحقبة الذكاء الاصطناعي، وتلك المهارات اقترحها المنتدى الاقتصادي العالمي بناء على مؤشرات الاقتصاد المستقبلي، وهي بالترتيب حسب أهميتها:
1 - حل المشكلات المعقدة.
2 - التفكير النقدي.
3 - الإبداع.
4 - إدارة الأفراد.
5 - التنسيق مع الآخرين.
6 - الذكاء العاطفي.
7 - صنع القرار.
8 - توجيه الخدمات.
9 - فن التفاوض.
10 - المرونة المعرفية.
وإذا تمعّنا، فسندرك أن كل تلك المهارات يفتقدها الذكاء الاصطناعي، وإن توافرت فيه، فلن يتقنها في المستقبل القريب.
تلك المهارات تنبع من لُب الإنسان، من عقله الذي يفكر ويبدع ويبتكر، إلى إحياء قلبه وضميره وحسّه العالي في التعامل مع الناس ومع الأنظمة لدفع حركة الإنتاج.
وإذا حصرنا تلك المهارات، فسنجدها تندرج تحت مظلتين، الأولى: مظلة الإبداع والمعرفة التي تزهر بالتعليم العصري الحديث الذي يفوق منظومة المؤسسات التعليمية التقليدية ويهدد حتى النخبة منها.
والثانية: مظلة الذكاء الاجتماعي الذي يُصقَل بالتربية وبيئة مجتمعية صحية لم نشهدها من قبل.
تلك البيئات الصحية يجب أن تدعمها الحكومات بتعزيز التكوين الأسري ودفع عجلة الثقافة والمعرفة بجميع أنواعها.
ومن خلال مشاهدتي لمقابلة جميلة للمعلم والمفكر وأحد أغنياء العالم Ray Dalio مُعقّباً على أزمة فيروس كورونا وأبعادها الاقتصادية الفتاكة، أكد داليو أن الناجي الوحيد من تلك الأزمة هم الأشخاص المبدعون والمبتكرون، وأن الإبداع سيكون الخط الفاصل في استطاعة العيش بالظروف والاقتصاد القادم.
ولكن، عبر العصور، ارتبطت مهارة الإبداع بالقلة القليلة المحظوظة في هذا العالم، فلطالما شاهدنا أشخاصا مبدعين ونظرنا إليهم نظرة بطولية، وصورناهم أبطال حروب عصرهم.
واليوم، حان للإبداع أن يُسلب من تلك القلة القليلة، الأبطال، ويُمنح للجميع كمهارة أساسية مطلوبة للعيش الكريم، والتي يجب أن تتوافر مقوماتها في جميع المنظومات التعليمية والفكرية.
أما الذكاء الاجتماعي، فهو مناجاة لإحياء الإنسانية التي اندثرت عبر طيات العيش المدني، متأصل في التربية وإعاشة لذلك الضمير الغارق في السبات.
ومنّا إلى وزارة التربية والتعليم التي سُميت بناء على ذلك المفهوم المستقبلي، بأن تخرج من الصندوق المسوَّر بالماضي عندما كان للمعرفة حدود، وتتطلع إلى سماء المستقبل لتنشئ أجيالا مبدعة تستطيع العيش في عصر المعرفة اللامحدود واقتصاد يهيمن عليه عدو الوظائف، الذكاء الاصطناعي.
ولكن، ليس هناك تطلع متشبث بمنهج تقليدي، فالتطلع طائر حر، يكسر كل الحواجز للخروج من قفص الفكر التقليدي، والتحليق بسماء الفكر المفتوح وببصيرة الطائر الحر.
[email protected]