في جريدتنا «الأنباء» بتاريخ 16/7/2024، كان لنا مقال تحت عنوان «الخليج وعالم متعدد الأقطاب» قلنا فيه: إن هناك بدايات تناقض وصراع متوقع بين الترامبية الجديدة كـ«حركة» وتوجه شعبي يمثل حالة من «الوطنية المحلية الأميركية»، وبين ما هو قديم من «دولة عميقة» للمنظومة الحاكمة الأميركية الليبرالية، والتي تشمل مؤسسات الجيش والاستخبارات والشركات العمالية والصناعية والاستثمارية والتقنية العابرة للقارات وكبار موظفي الدولة البيروقراطيين، وهكذا صراع وتناقض واضح أنه قد بدأ يزداد مع تعيينات مناصب الإدارة الجديدة والتي تشمل أكثر من أربعة آلاف وظيفة، وأيضا مع رغبة الرئيس الجديد في إلغاء وزارة التعليم الفيدرالية وإعادة توزيع مهامها مباشرة إلى الولايات المحلية، وكذلك مع إنشاء وزارة «تحسين كفاءة الحكومة»، ومع دراسة تأسيس لجنة خاصة من المحاربين القدامى العسكريين التي تشرف على كبار الضباط في الجيش ولها سلطة عزلهم.. الخ من قرارات رئاسية روتينية.
إذن، هذه أمور «محلية» ضمن اللعبة الديموقراطية هناك وإعادة صياغة المؤسسات ضمن ما تريده الحركة الترامبية الجديدة، اذا صح التعبير، وهي أمور داخلية أميركية، وما يربطنا فيها كـ «خليجيين» هو أنها بلا شك وبما يتنبأ به المراقبون ستعمل ضمن حركتها على أرض الواقع على صناعة تسريع ودفع إضافي لتحول العالم من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، وهذه المسألة أصبحت من المسلمات الدولية المتوقعة، والتي من حسن الحظ أن هناك «وعيا خليجيا متقدما» بها على مستوى القيادات، وهناك خطوات إيجابية تحضيرية يتم العمل عليها ضمن الواقع الخليجي مثل تعزيز العلاقات الصينية- الخليجية في مختلف المجالات، وأيضا دخول بلدان الخليج لمنظمة «بريكس»، وأيضا المشروع الكويتي التحضيري لمدينة الحرير لربطها كـ «دولة» واقتصاد ومستقبل مع خطوط الصين الجديدة للتجارة الدولية.
مع هذه الإيجابيات المهمة، فإنني أتصور أنه يجب أن يتم تسريع مسألة «الوحدة الخليجية» ضمن سياقات أكثر تطورا لكي نكون في موقع أفضل وأقوى في مجمل النواحي الأمنية والعسكرية والسياسية ومؤسسات الوحدة التنظيمية، وعلى أقل تقدير لفائدة إنشاء هكذا «وحدة شاملة» علينا أن نعرف أن مع «الاتحاد الخليجي» سنكون القوة الاقتصادية التاسعة في العالم، وهذا أضعف الإيمان فيما يتعلق بما سنحصل عليه من استفادة.
وعلينا أن نعرف أن الأمم القوية في العالم مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا وماليزيا كلها أساسا انتقلت إلى الحالة الحضارية العالمية بعد مشاريع الوحدة التي صنعتها كـ «دول» جديدة على أرض الواقع ومن بعدها انطلقت نهضويا، وكل من هذه الدول كان لديها مشروعها الوحدوي المختلف/ المتوافق مع ظروفها المحلية وواقعها الاجتماعي فليس من المطلوب منا أن نعيد تكرار ما قاموا به بل ان نصنع تجربتنا الوحدوية الخليجية ضمن خصوصياتنا وحسب ما نتفق عليه كـ «دول مجلس التعاون الخليجي» لنعيد إطلاق أنفسنا كـ «قاعدة اتحادية خليجية» تصنع منا القوة التاسعة الجديدة في العالم ضمن واقع متعدد الأقطاب قادم إلينا لا محالة.