من وجهة نظري سبب المشكلة الإسكانية وعدم القدرة على حلها هو الفلسفة الإسكانية الحالية للدولة والإصرار على الانفراد بالتصدي لها وعدم إشراك القطاع الخاص.
وما تقديم قانون المطور العقاري والرهن العقاري وتحرير الأراضي الى مجلس الأمة لإقراره إلا اعترافا بالفشل.
وان جاءت هذه الخطوة المحمودة متأخرة جدا وكما يقال (أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبداً).
ومن خلال متابعتي لتصريحات بعض المسؤولين حول بنود القانون المذكور، تذكرت مقالة كتبتها في جريدة «الأنباء» العدد 7958 تاريخ 15/7/1998 تحت عنوان (المشكلة الإسكانية والقطاع الخاص) والتي حاكت وقتئذ كثيراً من النقاط التي تضمنها القانون، متمنياً على أعضاء مجلس الأمة العمل على إقراره متجاوزين المواقف السلبية تجاه القطاع الخاص والتي عهدناها من بعض أعضاء مجالس الأمة السابقة.
المشكلة الإسكانية والقطاع الخاص
(تفاعلاً مع ما يدور هذه الأيام من طرح حول القضية الإسكانية وفلسفتها الجديدة وتجربة القطاع الخاص معها آثرت الكتابة، ولن أكون الأول ولست الأخير ممن سيكتب عنها والتي بدأت في الظهور في أوائل الثمانينيات متزامنة مع العجز في الموازنة العامة.
ومنذ ذلك الوقت لم يألُ القطاع الخاص جهدا للمساهمة في حل المشكلة الإسكانية، فقد سارعت الشركات الاستثمارية العقارية والبنك العقاري الكويتي بعرض خدماتها الفنية والتمويلية على الهيئة العامة للإسكان والتي لم تلتفت إلى ما طرح من تصورات كان من ضمنها قيام الشركات بتجهيز نماذج لمساكن محددة التكلفة تتلاءم مع متطلبات الأسرة الكويتية تطرح لاختيار مستحقي الرعاية السكنية، وفضلت الهيئة الاستمرار في التعامل مع المشكلة وفق فلسفتها الخاصة واستمر العجز وتراكمت الطلبات وتفاقمت المشكلة وازدادت تعقيداً جراء الاحتلال العراقي الغاشم الذي دمر كل شيء.
وبعد التحرير لم يحظ بند المشاريع وخاصة الإسكانية بنصيب يذكر ضمن بنود الموازنة العامة، حيث تم توجيه معظم الموارد «الاقتراض الخارجي والداخلي» للصرف على إعادة تأهيل القطاع النفطي لتدعيم مصدر الدولة الوحيد للدخل.
واستمر الحال كذلك، واستبشرنا خيراً بعد صدور القانون 27/95 بشأن إسهام القطاع الخاص في تعمير الأراضي الفضاء المملوكة للدولة لأغراض الرعاية السكنية وكان ذلك بتاريخ 16/7/1995 ولكن القانون لم يرَ النور بسبب عدم التعاون فيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من أجل تطبيقه.
رغم كل ذلك، استمرت جهود القطاع الخاص للمشاركة في حل المشكلة الإسكانية، وقد تمثل ذلك في الدراسة التي أُعدت في يناير 1996 بالتعاون بين بيت التمويل الكويتي والبنك العقاري الكويتي وتم توزيعها على الوزراء وأعضاء مجلس الأمة والمؤسسات الحكومية المختلفة، ووضعت الدراسة إطاراً محدداً للكيفية التي يمكن معها توفير أراض صالحة للسكن بالتعاون مع المؤسسة العامة للرعاية السكنية، حيث تحدد مواقع يمكن استغلالها، ولا تزيد مساحة القسيمة على 400 متر مربع، وتم حصر ما يقارب من 120.000 قسيمة يقع البعض منها ضمن مناطق امتياز شركة نفط الكويت ومناطق عسكرية ومناطق تحريج واستغلالها يحتاج الى موافقات خاصة.
كذلك رسمت الدراسة آلية للتمويل ضمن محفظة مالية تسهم فيها الشركات الاستثمارية والعقارية والبنوك «محلية أو خارجية» بما في ذلك الشركات العالمية المستفيدة من برنامج العمليات المقابلة Offset Program وذلك لضخامة التمويل المطلوب، ولكن للأسف لم يتم الالتفات الى الدراسة أو حتى مناقشة القائمين عليها.
إن الأمر المحير فعلاً أن يتفق الجميع، وأخص هنا السلطتين التنفيذية والتشريعية على ضرورة إشراك القطاع الخاص في حل المشكلة الإسكانية وأنه لا مناص من ذلك، ولكن الشواهد العملية عند محاولة التطبيق تدلل على عكس ذلك.
وفي تصوري أن الأمر الآن يحتاج الى عقد مؤتمر خاص بالقضية الإسكانية يضم ممثلين عن السلطتين التشريعية والتنفيذية والقطاع الخاص والتعامل بجدية وفق المعطيات الحالية دون مزايدات أو تغليب المصالح السياسية على حساب القضية وأصحابها المنتظرين منذ سنوات طويلة.
ويكون على غرار مؤتمر رجال الأعمال الكويتيين والذي أثمرت توصياته عن توقيع عقد المنطقة الحرة والذي جاء ذكرها في الخطاب الأميري في العام 1970.
وإنني أدعو الجميع مخلصا ألا نعود بالقضية الإسكانية الى نقطة الصفر، حيث إنه في تقديري المتواضع أن ما يطرح الآن من اقتراحات حول إعادة فلسفة الرعاية السكنية ينذر بصدام بين السلطتين.
والله أسأل أن يأخذ بأيدي المخلصين في وطننا العزيز!.