استوقفني أحد الإعلانات التي يعج بكثرتها التلفاز والسوشيال ميديا خاصة في شهر رمضان، حيث قام أحدهم بسؤال ممثلة الإعلان: ماذا نفعل في رمضان؟
فأجابت: نصوم ونغني في الإعلانات!
اختصرت شهر القرآن في كلمتين الصيام والغناء!
فلماذا تحول رمضان إلى شهر ترفيه وتسويق بدلا من شهر روحاني؟!
تذكرت مقالا للدكتور مصطفى محمود (رحمه الله) قال فيه: كنت طفلا ناقما على أمي التي منعتني وإخوتي من مشاهدة الفوازير، بينما كان يتابعها كل أصدقائي، ولم يشف غليلي إجابة والدتي المقتضبة: «رمضان شهر عبادة مش فوازير».
لم أكن أفهم منطق أمي الذي كنت كطفل أعتبره تشددا في الدين، لا فائدة منه، فكيف ستؤثر مشاهدة طفل صغير للفوازير على شهر رمضان؟!
مرت السنوات، وأخذتني دوامة الحياة، وغطى ضجيج معارك الدراسة والعمل على همسة سؤالي الطفولي حتى أراد الله أن تأتيني الإجابة من رجل مسن في الركن الآخر من الكرة الأرضية، كان عاملا أميركيا في محطة بنزين اعتدت دخولها لشراء القهوة أثناء ملء السيارة بالوقود في طريق عملي، وفي اليوم الذي يسبق يوم الكريسماس دخلت لشراء القهوة كعادتي فإذا بي أجد ذلك الرجل منهمكا في وضع أقفال على ثلاجة، وعندما عاد إلى (الكاشير) لمحاسبتي على القهوة سألته، وكنت حديث عهد بقوانين أميركا: لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟! فأجابني: «هذه ثلاجة الخمور، وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح». فسألته باندهاش: أليست أميركا دولة علمانية؟! لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل هذا؟ فأجاب الرجل: (الاحترام) يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم، حتى وإن لم تكن متدينا، «فإذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء».
أدركت الآن لماذا كانت والدتي تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان.
فالخمر غير محرم عند كثير من المذاهب المسيحية في أميركا، لكن المسألة ليست مسألة حلال أو حرام، إنها مسألة احترام. فهم ينظرون للكريسماس كضيف يزورهم كل سنة ليذكرهم بميلاد المسيح عليه السلام، وليس من الاحترام السكر في معية ذلك الضيف؟ فلتسكر ولتعربد في يوم آخر إذا كان ذلك أسلوب حياتك.. أنت حر، لكن في هذا اليوم سيحترم الجميع هذا الضيف رغما وبالقانون.
فأين احترامنا للشهر الفضيل الذي يزورنا مرة كل عام، فنستقبله بملء بيوتنا بالطعام والشراب ونقضيه أمام التلفاز والزيارات والعزومات؟ وهل نحترم ونقدس مثلهم ذكرى ميلاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كنا مهووسين بتقليد الغرب فهل أخذنا منهم صفة حميدة مثل الاحترام؟!
[email protected]