«القدوة» مصطلح بدأنا نفتقره ونفتقده، بل اننا اشتقنا له في زمننا الحاضر بالأخص «القدوة الحسنة»، زمننا المتسم بالسرعة والمصالح والمظاهر، زمن المال والتباهي والمداهنة، مصطلح أصبحنا نحاول أن ننقب عنه لندرته، لكَم نحتاج لتلك القدوة والتي تتمثل في ذلك الشخص الذي نستطيع أن نثق به فنهتدي بحكمته التي ترشدنا للمنارة الصحيحة في ظلام البحار وتخبط الأمواج واختلاط وتعالي أصوات الآراء السديدة مع الآراء السخيفة.
في السابق، معظمنا كان له قدوة في حياته، صغيرا كان أو كبيرا، قدوة يقتدي بها، يعجب بها، يقتنع بأفكارها، وقد يحاكي مظهرها ويقلد حتى سلوكها وتصرفاتها في حال أحبها كثيرا، بالرغم من أنه ليس من الضروري أن تكون تلك القدوة حسنة، فقد تكون من أسوأ ما يكون، قدوة زائفة لها أثر فاسد على الناس.
كما لا يشترط أن تكون قدوة المرأة امرأة أو قدوة الرجل رجلا.
لكن القدوة الحسنة، هي التي بالفعل ما نفتقدها في زمننا هذا!
قدوة حسنة، تكون ثابتة في قيمها ومبادئها مهما تغيرت المواقف وتقلبت الأيام، قدوة نسمع صداها في موقف الحق يهز المكان، تعطينا الأمل من قلب الألم، تعطينا الحياة في حضرة الموت، تعطينا القوة في لحظات الانهزام، تعطينا الروح عندما تنزف الجروح... إلخ.
فكم من قدوات كانوا يبهرونا بكلماتهم، بأسلوب حديثهم، بتصرفاتهم، لكنهم سقطوا مع أول موقف حقيقي استرعى مروءتهم واختبر ضميرهم فأزيلت بسرعة البرق أقنعتهم وظهرت شناعة أنفسهم المريضة.
بخلاف القدوات الحسنة، يبقون دائما وأبدا أصحاب المواقف التي لا تتغير ولا تباع أو تشترى، أصحاب مبادئ ثابتة، ومؤثرين بطريقة ما، ذوي رأي سديد وعلم قيم.
وبشكل عام، ان كل شخص محاسب عن كل كلمة يقولها لأنها قد تكون سببا في تغيير مسار حياة أحدهم للأفضل أو للأسوأ، بأفكارك وقيمك هذا إن لم تكن سببا في تغيير مسار أمة بأكملها!
وقد تكون انت قدوة لأحدهم عزيزي القارئ، فلترتقِ لمستوى الجرأة على قول الحق وجلب النفع ودرء الضرر وعدم المساومة على المبادئ، خاصة لو قارنا مع من هم على ساحة التأثير الإعلامي اليوم الذين هم في وادٍ وما يجري في العالم كله في وادٍ آخر!
ولتحرص كل الحرص على نهضة مجتمعك، كن نكهة الأمل المميزة وابعثها في نفوس الآخرين، فوجود القدوة الحسنة وتفاعلها مع المجتمع يؤدي إلى كثرة الخير وإلى ظهور الغيرة المحمودة التي تدفع الآخرين إلى عمل الخير، وتحفز التنافس لمرضاة الله تعالى، كما أنها طريق سهل وبسيط لتوصيل العلم النافع الذي يعلي من قدرك ويرفع من شأنك... إلخ.
أنا لا أعلـم خاتمة أحد ولا حتى خاتمتي أعلمها ولا أضمنها، فهي بالنهاية توفيق من رب العباد، لكن ما أعلمه حقا هو أن الحي لا تؤمن فتنته، قال ابن مسعود رضي الله عنه: «من كان مستنا (أي مقتديا) فليستن بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة»، فما أشد حاجتنا إلى سؤال الله الثبات، لأننا جميعا معرضون لفتن الحياة والممات، والفوز العظيم لمن ينجح ويجتاز هذه الفتن بسلام، ومن أجمل الدعاء الذي تدعو به لنفسك ولمن تحب هو حسن الختام، فإن أحب الله عبدا أحسن خاتمته وإن كانت أعماله السابقة لا توحي بذلك والعكس صحيح أيضا، فقد يكون ممن يظهر الخير وهو ألد الخصام فتختم له خاتمة سوء وأعماله السابقة كانت توحي بغير ذلك والعياذ بالله!
وفـــي الختام اللهم اكتبنا جميعا ممن كتب لهم حسن الختام.