إن الإيمان في قلوبنا والاستسلام لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يجعل كل واحد منا صاحب مبادئ وقيم عظيمة وسامية، وإن قيمتنا الحقيقية تنبع من التمسك بتلك المبادئ والقيم.
فلابد أنكم تعلمون عما نتعرض له اليوم من الدفق الثقافي الهائل، وتعرفون أن كثيرا منه يفد إلينا من ثقافات ومن أمم لا تدين بما ندين به، كما أن العولمة التي تنشر أشرعتها في كل مكان من الأرض، تعمل على دفع الناس نحو البحث عن مصالحهم المادية بعيدا عما تقتضيه القيم والتعليمات الإسلامية السامية، وهذا كله يشكل تحديا كبيرا لنا جميعا، إذ أصبحنا للأسف نرى تقلبات مخيفة في بعض الأشخاص، طالت ما يمس عقائدهم.
ونماذج كثيرة تجعل الحليم حيرانا، وتصدمنا أمام هولها؛ لأنها فاقت توقعاتنا وتصورات عقولنا.
وكلما كبر شبابنا وتفتح وعيهم على الحياة سيجدون انفسهم أكثر عرضة للمساومة من قبل أشخاص كثر، لا يرجون الله واليوم الآخر: مساومة على المبادئ والقيم وعلى الضمير والمروءة والكرامة.
ستجدون كثيرين من حولكم يخضعون لمغريات الدنيا، ويخبطون في الحرام خبطا، وليس هؤلاء بأكرم الناس ولا أسعد الناس، ولا ينبغي للمرء أن يتأثر بكثرتهم، فهم عند الله ضئيلون، لا وزن لهم ولا قيمة، ورحم الله القائل: «لا تستوحش من طريق الحق لقلة السالكين فيه، ولا تغتر بطريق الباطل لكثرة الهالكين فيه».
فعلينا أن نتفقه في ديننا ونستمر في طلب علمه من مصادره الصحيحة، لنفهمه بقوة ويقين فلا تشوب فكرنا عنه شائبة، في زمان أصبحت فيه الفتن كقطع الليل المظلم.
كما لا تنسوا أيضا أننا في المقابل في دار ابتلاء، وأننا لن نستطيع الحصول على كل شيء، ولهذا فإن الواحد منا لن يستطيع تحقيق مصالحه ونيل مشتهياته إلى الحد الأقصى مع التمسك التام بمبادئه وقيمه، ولابد أن يجد نفسه في لحظة ما مضطرا إلى التنازل عن شيء من هذه أو تلك، فكونوا ممن يناصرون المبدأ، وينحازون للحق، ولا تنسوا القاعدة الذهبية: «من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه».
ولتجنب هذه الانتكاسة علينا أن نستغفر الله دائما وأبدا حتى لا نكون ممن ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، ولا نركن إلى ضعف أنفسنا، ونستصغر الذنوب رويدا رويدا ونعتادها، فنكون ناكسي الرؤوس يوم الحساب.
فأظهروا براعتكم الشخصية في تحقيق مصالحكم في إطار مبادئكم وأخلاقكم الإسلامية، فهذا هو التحدي الكبير.
وعودوا أنفسكم على التنازل عن بعض الأشياء المادية في سبيل البقاء على المنهج القويم.
المال ليس كل شيء في هذه الحياة، ويجب أن نثبت لجميع الناس أن في حياتنا أشياء عزيزة غير قابلة للمساومة أو البيع أو التنازل.
فالآن أصبحت من أبرز العلامات الجذابة في زمننا الحالي هو أن يكون الشخص متشافيا نفسيا ومتزنا داخليا ويملك أعلى مستويات الوعي بإدارة ذاته ومشاعره.
والله يثبتنا على الحق وإياكم.