حين جاء سائل يسأل سيدنا أيوب فقال «ما كان أشق عليك يا أيوب من بلائك هذا؟»، ويقصد السائل «بلاء المرض»!
قال: كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الحساد، وفي رواية أخرى شماتة «الخلان»! ويقصد الشماتة في «الضر» الذي أصابه، والحكاية كما تناقلتها الكتب: لما زاره أخواه جلسا بعيدا عنه، وكانا قد عافا منه رائحته وأعرضا عنه واشمأزا منه، وقال أحدهما للآخر «لو كان في أيوب خيرا ما ابتلاه ربه بهذا الضر وبهذا البلاء»، فلما سمعهما أيوب أسرّها في نفسه، وكانت أشق عليه من محنة المرض والابتلاء.
ولا أدري لماذا يتناقل كثير من إخواننا في مجالسهم هذا الداء (الشماتة)، وينسون أنهم هم سبب رئيسي فيه، وهم أول من يشمتون في غيرهم للأسف سواء في المرض أو الفاجعة أو في الموت؟! ليس هذا فقط، بل ينسبون إلى الرسول حديثا «تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء» ثم يخالفونه أيضا.
حين مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم جنازة وقام لها، قيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا؟ لم يشمت ولم يسب!
فليس الموت في الحوادث والملمات والمرض انتقاما إلهيا، وليس الموت على الفراش الوثير رضا وثوابا من الله، وليس انتصارا لطرف وهزيمة لآخر، وليس تصفية حساب وخاتمة عقاب.. تغرق السفن، وتسقط الطائرات، وتحترق القطارات، وتجرف السيول البيوت والوديان، ويباد الملايين في الحروب والزلازل والبراكين، ويتقاسم الموت الصالحون والفاسدون، وكم من ظالم مات وسط أولاده وأحفاده هادئا ساكنا! وكم من مظلوم مات في الأحراش والأدغال دون مغيث أو وداع أو لحظة قرب من الأحباب! ورحم الله شاعرا قال:
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون ما لقينا
لقد كنا في السابق نحزن لحزن الجار ونفرح لفرحه، ونعزي المصاب ونعود المريض، وقد كنا أقل تدينا وهوسا بمظاهر التدين وشكله والتفاخر به، إلا أن الناس كانوا أكثر رحمة ومحبة وسلاما!
فإن الشماتة بالمسلمين والفرح بما ينزل بهم من بلاء أو مصيبة لا يجوز ـ حتى إن أساءوا ـ فإنه مناف للأخلاق الكريمة.
فلنجاهد أنفسنا، ونعودها على خلق العفو والصفح عمن أساء وأخطأ، ونكفها عن الشماتة.
وللمبتلى بالشماتة نقول: عافاك الله من هذا الداء وهداك كأنك تزهو بكمالك، وتفاخر بجمالك، وتغفل عن موادعة الأيام لك، وتظن أن هذا المبتلى، لم يبتل بما ابتلي به إلا على كرامة في نفسك، أو بسبب إجابة دعوة منك أو من غيرك، أما علمت أن الشماتة قد تكون انعكاسا لأمراض نفسية تدل على عدم الثقة، مع الإحساس بالفشل، فتسلي انت نفسك بهذا الخلق الذميم الشامت!
الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها، والمسلم الذي تربى على الأخلاق الإسلامية الفاضلة ووعى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمت في أحد ولا يفرح في مصائب الآخرين.
قيل «لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك»، كما قيل ايضا «قل للشامتين صبرا، فإن نوائب الدنيا تدور».