يقول الله تبارك وتعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) وهنا قد أخبرنا الله تبارك وتعالى عن حال أكثر أهل الأرض! يضلونك.. يبعدنوك عن طريق الحق.
ولو تركت نفسك لنفسك فإن الحال هي (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم).
وقال رب العالمين (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
تجدها يوما طائعة، يوما على المعصية، يوما تتفلت، يوما تائبة، يوما منزعجة، يوما راضية ويوما ساخطة، هكذا النفس إلا أن يتوب الله عليها ويهديها صراطا مستقيما.
الفراغ أصل كل بلاء، وفي ذلك يقول ابن القيم «من الفراغ تأتي المفاسد، وتتوالى المعاصي على العبد في سلسلة مدمرة، تضعف الإيمان في القلب وتبعده عن مولاه، فمن فرغ من عمل جاد مثمر فلابد وأن يشتغل بما يضره ولا ينفعه».
كما قال ايضا رحمه الله: «فهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنه محبة المخلوقين ولابد، وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولابد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلها في إحدى المنزلتين».
فما أعظمها من مقولة وما أعظمه من فعل لو فعلناه، بنظرة سريعة أو متعمقة لما يدور حولنا من أمور تعد أمراضا اجتماعية وخللا تربويا غالبا ما نجد ان الفراغ سبب رئيسي لهذه الأمور.
ففي بعض الدول أجريت دراسة حول أحوال فئة من الخارجين عن القوانين المستهترين وجدت ان معظمهم عاطلون عن العمل وانهم يشكون الفراغ.
والمتابع للبرامج الثقافية والتربوية المعنية بفئة الشباب خاصة يرى بسهولة ان الفراغ من أهم الاسباب ان لم يكن اهمها التي تؤدي لانحراف الشباب وتبنيهم سلوكيات مدمرة مثل التعاطي او التهور او الاستهتار او التقليد الاعمي لكل ما هو غريب، طبعا لا ننكر الإهمال التربوي وفقدان القدوة والمتابعة، لكني بصدد الفراغ بالتحديد والفراغ ليس فقط ماديا وهو خلو وقت الانسان من عمل محسوس يقوم به سواء بأجر او دون أجر، بل المصيبة الفراغ النفسي والذي احيانا ما يدمر صاحبه حتى لو كان هذا الشخص مزدحما وقته بالأعمال ويتبين هذا بسهولة عند الغرب، بدلالة اعداد المنتحرين الكبيرة مع وجود كل سبل الحياة لديهم. لكن كما أسلفت فإن المسألة فراغ القلب وليس فراغ العمل فقط فالغني والفقير والكبير والصغير يجب ان يكون لديه عمل ما يقوم به ويحبه ويتقنه حتى يكون متوازنا مع هذه الحياة.
أما الأدهى والأمر فهو الانشغال بأمر يظن صاحبه انه عظيم، لكنه عند الله يعتبر هباء منثورا، مجرد حشو للدقائق والساعات لا يعود بالنفع على الناس، فقط يظن صاحبه انه عمل.
خلاصة الكلام ما قاله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: «إن الله خلق الأيدي لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا.. فأشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك في المعصية».