نختلف في تعاطينا مع الحزن، هناك من يتلقاه دفعة واحدة، يتفاعل معه منذ اللحظة الأولى، فتعتصره الأحزان لأيام طوال، حتى تأخذ مبتغاها لتغادره على مهل إلى غير عودة، وهناك نوع آخر من البشر، يتعامل مع الفقد أو جليل الخطب بطريقة مختلفة، يروض الحزن عند بابه منتظرا، حتى إذا تهيأ له بما يستحق الفقيد أبا كان أو أما أو قائدا فذا، شرع الباب واسعا لدخوله، ليسمح له بالتغلغل في أعماقه للسنين وئيدة ملؤها اللوعة والشجن، وحسرة تعتصر الفؤاد بين ليل وأخرى.
الشيخ ناصر صباح الأحمد، ترجل فجأة من عليائه البهي، فأوجعنا الرحيل الطويل، لرجل لم يكن عابرا في تاريخ الوطن، ولن يكون، تساءل عن مستقبل الكويت، وأخلص في وضع رؤية متكاملة تعزز مواردها وتضمن ديمومتها، إذا ما قل النفط أو انحسر سعره وكميته، تباهى شموخا بديموقراطية الكويت، فهي ليست كمثيلاتها لكونها «أكثر دستورية»، محترما الرأي المخالف، ومتمسكا بالحجة عند الاختلاف، وبهما يستقيم العمل والحياة، تعامل بشفافية متناهية مع أصعب القضايا وأكثرها حساسية، لا طمعا في منصب زائل أو جاه، فمن قبل اجتمع الشرف الرفيع من أطرافه حتى استقر بين معطفيه، لكنها الكويت الحاضرة بين عينيه، وكلما كبر المرء بطموحه ورؤيته، واشتد حرصه على قومه ووطنه، ارتقى سموا وترسخ حبا في وجدانهم.. وهكذا كان «ناصر الوطن».
الشيخ ناصر، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. بساطة متناهية، وهذا لعمري دأب العظماء، فما استوطن الكبر يوما في قلب كبير، عفوي الحديث، لا يشعرك بمن تجتمع، لا يقرأ إلا من عقله وثقافته، منهجي الطرح، منطقي الأسلوب، مؤمن بالكويت، وقد كان - رحمه الله - مشروع وطن لم يكتمل، خطفته يد المنون على عجل.. وسيبقى فقد كبير المآثر المغفور له بإذن الله الشيخ ناصر صباح الأحمد حزنا ساكنا لسنين طويلة في قلوب الكثيرين، يتحور دروس وفاء لأبناء الوطن، ويتقد شعلة نور في دروب المخلصين، وابتسامة واثقة تشد أزر الطامحين.
[email protected]