دائماً ما تأتي البدايات بطيئة، تردد وتفكر، تلعثم وتعثر، تقدم خطوة، فتنتظر أخرى بالمقابل، وتحجم عن الثانية إن لم يبادر، وتمضي علاقات الإنسان بالآخر، تتشعب وتتسع، وتتقلص فتضمحل بفعل الأيام وصخب الحياة، فتبقى الذكريات والمواقف شواهد، ذاك تجربة وعبرة، وهذا شجرة تفيأت بظلالها الوارفة، كلما استبد بي هجير الأيام، وحرارة الزمن.
النهايات التي لم ترسمها، نقيض البدايات، مسرعة، مندفعة، صادمة، تهز أعماقك، تنثرك أمامك، تهزمك، فتتشظى قطعا متناثرة، يجمعك جسد، والروح في خلجاتها متململة، ولعل أشدها قسوة فقد الأحبة، من قريب أو صديق.. بالأمس، وعلى غير موعد مسبق، غادر عادل، خطفه الموت الذي وصفه المتنبي بقوله:
وما الموت إلا سارق دق قادما
يصول بلا كف ويسعى بلا رجل
عادل.. الصديق الباسم رحل فجأة، وترك طيفه الجميل بيننا، يذكرنا بصوته، بعذوبة حديثه، وبكلمات طالما استمعت لها بإنصات.. صداقة لم تمهلنا الأيام المتعارضة الارتواء بعذوبتها وصفو معينها.
أبو علي.. كأنه كان يعلم أنه لن يطيل المقام، اكتفى بنثر التفاؤل في الطريق، وزرع الابتسام، لم تكسره الليالي الطويلة، وبؤس الأيام، ولم يشغله سوى حب «علي» وصبية صغار تحت عطفيه، وفي قلبه، وبين ناظريه، التقيته نهاية الأسبوع الماضي في بيتنا «الأنباء»، تبادلنا التحية وكلمات عابرة، حرص على تحية جميع إخوانه وزملائه في الجريدة باسماً كعادته، وعلى عجل تركنا في يوميات العمل، والعمل اليومي، وغادر وكأنه يودع المكان والزمان متجها إلى رحلته الأخيرة، ولسان حاله ينشد قول طرفة بن العبد:
لعمرك ما الأيام إلا معارة
فما اسطعت من معروفها فتزود
عادل.. أيها الروح النقي، والطيف الندي، والذكرى العطرة، رحمك الله وتقبلك بواسع مغفرته، شوق يتجدد، وفراق إلى لقاء في رحمة الله.. لم يتحدد.
[email protected]