خضعنا منذ نعومة أظفارنا إلى برمجة ذهنية من البيت والمحيط الخارجي، وما رؤيتنا للعالم بأسره إلا من منطلق برمجة فكرية تحدد نظرتنا إلى الحياة والأشياء من حولنا. ولا ضير في أي برمجة ترتقي بنا إلى الأعلى، لكن هناك برمجة خطيرة يحملها الكثير من الناس في حياتهم دون وعي، وتتأتى عنها كل أشكال العبودية، لأنها تطوق إدراك الإنسان فتحول بينه وبين رؤية الحقائق.
إن هذه البرمجة التي يعاني منها أغلب البشر على مستوى العالم، هي التي توحي للإنسان بأن الوضع الطبيعي له في الحياة يتمثل في المعاناة، إذ يعتقد الكثيرون بأن التوتر الشديد، والقلق المزمن، والفقر الشديد، وصعوبة تحقيق الأهداف وصولا إلى استحالة تحقيقها، حالة طبيعية لابد أن يعيشوها كل يوم.
ولا يقتصر مفهومنا للوضع الطبيعي على منحى واحد بل يتنوع ليشمل مختلف مناحي الحياة، فإذا سألت أحدهم عن حقيقة العلاقات، فسيخبرك نحو 9 أشخاص من بين 10 أشخاص بأن الوضع الطبيعي في أي علاقة هو اختفاء الشغف، وتحول الحب إلى حالة من التعايش دون مشاعر عميقة شيئا فشيئا.
وإذا سألت الناس عن العمل، فالوضع الطبيعي كما يراه الغالبية، هو أن يكون العمل في مجال لا يحبه الإنسان، لكنه مضطر للاستمرار فيه، وأن من يعمل في مجال يحبه هو فقط شخص محظوظ ولد في ظروف استثنائية مكنته من عيش حلمه.
وهكذا أصبح الوضع الطبيعي في كل شيء حكما قاطعا لا جدال فيه، لكن في الحقيقة هناك فارق شاسع بين الوضع الطبيعي والوضع الذي اعتدته. وهنا يبرز واقع أن معظم الناس مبرمجون على الخوف، حتى ان من الفلاسفة من رأى أن النظام الذي يحرك البشرية في العمق مبني على مشاعر الخوف بالدرجة الأولى.
إن كثيرا مما نظنه وضعا طبيعيا هو في الحقيقة حالة غير طبيعية على الإطلاق، حتى لو كنت قد اعتدت عليها سنوات طويلة من عمرك، فأصبحت مع الوقت أمرا مألوفا بالنسبة لك.
إن الوضع الطبيعي لأي إنسان هو السلام الداخلي وليس الصراع والخوف. فوراء كل أفكارك المشوشة، ومشاعرك المضطربة، هناك مساحة من السكون والصفاء والمحبة الداخلية المغطاة بطبقات من البرمجة السلبية.
هذا السلام لا يتعلق بوضعك المادي، ولا بشكلك أو عرقك أو لونك، ولا من أين أنت، ولا إلى أين تتجه، بل هو حالة طبيعية روحية تعشش في صميم كل إنسان على وجه هذه المعمورة، حيث السكون والسلام والحكمة الداخلية، حيث تجد أجوبة لكل الأسئلة التي تجول في خاطرك.
حتى تشعر بهذا السلام، عليك أن تتنفس بعمق، وتستشعر حالة السكون الداخلي بعيدا عن الأحكام الخارجية، وتتصل بهذا السكون، والأهم من ذلك كله، عليك أن تدرك أن طبيعتك الأصلية هي طبيعة روحية خالدة، وأن الحكمة هي معرفة لا تكتسبها من الخارج، بل هي موجودة منذ الأزل في كل نفس بشرية.
إذن فسبب التوتر والقلق والمعتقدات الخاطئة تجاه الأشياء، ليس وليد ما يقبع خارج ذاتك، بل هو وليد الفكر الداخلي الخاص بك. وانطلاقا من هذه النقطة المهمة، تدرك أنك المسؤول عن تلك الأفكار التي تعتنقها، وتلك المعتقدات التي تتبناها إزاء المواقف والقضايا والأحداث الحياتية.
ومن هذا الإدراك والوعي بحقيقتك الروحية القائمة على السلام الداخلي، وقدرتك على صناعة الواقع من خلال عقلك الداخلي، تبدأ عملية الشفاء من كل أشكال العبودية، لتلج مرحلة جديدة تصبح فيها صانع قراراتك، بل وصانع واقعك بعيدا عن البرمجة الذهنية السلبية.
Instagram: @hamadaltamimiii