حياتنا زاخرة بأحداث ومناسبات بهيجة، إلى جانب مواقف وتجارب حزينة.
إن الوجود بأكمله مبني على أساس وجود المعنى وعكس المعنى. الأبيض يقابله الأسود، والنهار يقابله الليل، والأفكار الإيجابية تقابلها الأفكار السلبية، وهلم جرا.
ليس هذا فحسب، فقد يظن البعض أن الحياة إما خير أو شر، لكنها في الواقع مزيج من الأضداد والتدرجات. فلا يقتصر الوجود على لونين فحسب، بل تلحظ في قوس قزح مثلا عدة ألوان مجتمعة، وكذلك الحال بالواقع الكوني والبشري الذي يتلون بألوان عديدة كأنه قوس قزح لانهائي الطول والألوان.
وبناء على ذلك ينبغي أن ندرك أن الأحداث والتجارب لا تصطبغ بلون وحيد وإن بدت كذلك، فما تراه حدثا إيجابيا قد يحمل في طياته جوانب سلبية، وما تشعر بأنه تجربة مؤلمة للغاية، ربما يحمل لك في جعبته الكثير من الدروس القيمة، بل والفرص الذهبية المستترة.
لا شك أن اللحظات الأليمة جزء من الحياة البشرية، إذ لا وجود لإنسان منذ فجر الخليقة وحتى آخر الدهر إلا وسيذوق من كأس المرارة الشيء الكثير، ليتعلم وينضج وينمو فكريا وروحيا إن هو فتح مدارك عقله وشغاف قلبه.
إن الفرق بين الناجح والمتعثر على طريق النجاح، هو أن الأول يستقبل المصيبة بصدر رحب، ويصبر على مصابه بالتزامن مع تعلمه من التجربة مهما كانت مؤلمة، ثم يمضي قدما لصناعة مستقبل أفضل. أما الثاني، فيضخم كل حدث سلبي صغير ليجعل منه جبلا من الآلام، ويستقبل المواقف السلبية بامتعاض وخوف وتشاؤم، فيبقى أسير آلامه التي ما إن تنتهي حتى يقوم عقله بالبحث عن مصيبة جديدة لإنعاشها مجددا.
ربما تتعجب ممن يبحثون عن التعاسة، لكنهم في الواقع موجودون، وهذا ما يسمى في علم النفس بـ «لذة الألم»، حيث يستشعر بعض الأشخاص لذة من خلال إحساسهم بالألم، ما يدفعهم في حالة من الإدمان المستمر إلى محاولة تكرار التجربة نفسها ضمن دائرة مفرغة لا فكاك منها.
إنهم في الحقيقة أشبه بمدمني السكريات والكحوليات والسجائر يجدون صعوبة في الإقلاع عن طريقتهم المشوهة في رؤية الأشياء، تلك الطريقة التي تجلب لهم التعاسة، لكنها في المقابل تجلب لهم لذة مرضية.
مع ذلك كله، الخبر السار هو أن الإنسان قادر على تغيير واقعه بتغيير أفكاره. مهما كان الوضع الذي أنت فيه، لا شك أن لذة السعادة أفضل من لذة الألم، ولا جرم أنك قادر على لعب دور البطولة في حياتك بدلا من دور الضحية، لتحيا بسعادة وتجابه المشكلات والمنغصات بقلب شجاع وحكمة روحية.
يقول مثل شهير: «الألم أمر حتمي، أما المعاناة فاختيار». وهو يعني أن الألم جزء من حياتنا، فلا تخلو حياة امرئ من الآلام، لكن استمرار هذه الآلام من عدمه هو خيار شخصي بحت. فلا تسمح للأحزان بأن تستبد بعقلك وفؤادك فتحيل حياتك إلى جحيم، بل عزز الإيجابية في داخلك كل يوم، وتعلم فن المجابهة، وإذا كنت بحالة نفسية سيئة إياك ثم إياك أن تستمع أو تقرأ أي شيء سلبي مؤلم.
بعض الناس عندما يحزنون، يسارعون إلى تشغيل الموسيقى والأغاني الحزينة، ويشرعون في قراءة الكتب والاقتباسات السوداوية. لا تفعل ذلك أبدا، لأنك كلما مررت بجملة أو كلمة ستعتقد أنها كتبت لأجلك، وأنك المعني بالذكر، مما سيعزز إحساسك بالقهر واليأس.
بدلا من ذلك سارع إلى قراءة شيء إيجابي محفز، وإذا استمعت إلى الموسيقى، فاختر مقطوعات راقية تبعث البهجة في النفس، ولا تنس الدعاء والتأمل والتقرب من الله لأن في ذلك راحة نفسية تعينك في التغلب على حالتك الذاتية المؤقتة، والخروج منها إلى حالة روحانية من تقبل للقضاء والقدر، وتعلم من التجارب والدروس، ثم المضي قدما على طريق النجاح والسعادة.
Instagram: @hamadaltamimiii