هي سيدة كويتية نجحت في أن تطرز اسمها بخيوط من ذهب ليسطع براقا في سماء وطن عشقته وأخلصت له، فبادلها نفس المشاعر، ساهمت في صياغة التاريخ التعليمي للكويت وأسست أجيالا كرائدة في التعليم وتدين لها نساء الكويت بالكثير، إنسانيتها العالية الفطرية كسرت من خلالها وبدون قصد القواعد العلمية لقوانين العلاقات العامة، وتستحق بذلك أن تكون نموذجا فريدا يدرس، فقل أن نسمع أو نلمس إجماع الناس على الثناء على شخص بعينه وإظهار الاحترام والتقدير والمودة له في كل المناسبات وفي جميع الأماكن داخل الكويت وخارجها، كما كان للست لطيفة البراك كما يلقبها من تتلمذوا على يدها.
خبر وفاتها، رحمة الله عليها، هز أهل الكويت رجالا ونساء وشبابا حتى الحي الذي تقطنه في منطقة النزهة ـ والذي نسميه بالكويت فريج ـ كان حزينا للغاية لفراقها فما هو سر هذه السيدة الجليلة ؟.
يقال إن للإنسان نصيبا من اسمه ولقد كانت الست لطيفة البراك (أم عبدالعزيز) لطيفة المعشر بسيطة في تعاملاتها محبة للجميع تملك قلبا يتسع للأهل والأحباب والأصدقاء ولكل الناس من حولها، كانت ـ رحمها الله ـ توزع حنانها ودفء حضورها وابتسامتها الصادقة والصافية على الجميع من دون استثناء، لم يدخلها الكبر بتاتا ولم تعرف الغرور وهي ابنة العائلة المعروفة وصاحبة التجربة المقدامة والثرية في رحاب التعليم بل ظلت تتعامل ببساطة تامة مع الجميع وكان الفرح مصاحبا دائما لوجودها، كان مجلسها يضم كل طوائف المجتمع مع اختلاف الأعمار، وكانت، رحمها الله، تستقبل الجميع بحفاوة وفرح لحضورهم وتقف للسلام على الجميع من دون استثناء مع الترحيب بالشخص، وذلك لكسر حاجز الرهبة بينه وبين البقية في المجلس، كانت (رحمة الله عليها) مدرسة في فن العلاقات الإنسانية والإتيكيت وفن الحديث وأصول الرد، الحياة بالنسبة لها ثراء معنوي أكثر من كونه ثراء ماديا فحرصت على تطوير ثقافتها بمتابعة المستجدات على كل الأصعدة محليا ودوليا والتطورات العلمية والحياتية وكانت صاحبة رأي وحضور طاغ أنيق محترم أينما تواجدت.
عركتها الحياة وتعلمت منها، فتمسكت بأصالتها الكويتية وشاركت الكويتيين أفراحهم وأحزانهم ولم تتنكر أبدا لأصدقاء الطفولة والدراسة والعمل وروت الحكايات الجميلة، فكانت مصدرا لتوثيق تاريخ الكويت، عملت الست لطيفة البراك لمدة تتجاوز الثلاثين عاما بجد وحرص واهتمام يشهد له الزمن الجميل وأهله الطيبون وفي كل مقابلاتها كانت تحث على الصدق والإخلاص في العمل والتمسك بالوطن والحرص عليه.
لا أنسى أبدا مكالماتها الهاتفية لي وخصوصا بعد قراءتها لكتابي «همس الخريف ـ يوميات بومبارك وأهله» وكلماتها الحنونة المشجعة ودعمها اللامتناهي للاستمرار في كتابة الروايات والقصص والمقالات، كانت ـ رحمها الله ـ تحدثني عن حبها للقراءة، وإن القراءة نور تتجاوز من خلاله قيود الزمان والمكان وانها وسيلتها للثراء الفكري واللغوي ومتعة وتذوق جمالي وسعادة لا حد لها، يا ليت يفهمه البشر.
للموت جلال وهيبة ومعه قد تطير الكلمات لعمق شعور الفقد والألم فكيف حالي وفى أسبوع واحد فقدت عمي الغالي ناصر حمد الرومي والعزيزة خالتي لطيفة البراك، ولكن لله ما أعطى ولله ما أخذ، ونسأل الله سبحانه لهما المغفرة والرحمة وجنات الخلد، وأتقدم لأسرة خالتي لطيفة البراك ولصديقتها المقربة أخت دنياها الغالية دلال البشر الرومي بالتعازي الصادقة لوفاتها، ورحم الله موتانا وجميع موتى المسلمين، وحفظ الكويت من كل مكروه.
[email protected]