أخرجت الصبية ذات السادسة عشرة من العمر كرت البنك لتدفع ثمن الأساور في محل الماركة العالمية والذي يتجاوز الألفي دينار بينما صديقتها دفعت مبلغ ألف دينار لخاتم من نفس الماركة وبقية الشلة الشابة ينظرون إليهما بإعجاب، وقد تنافسن فيما بينهن في ارتداء الماركات العالمية «تي شيرت» أو «بنطلون» وقد يكون حذاء أو شنطة، أما وجوههن الشابة فعليها لمسات دكاترة التجميل.
شباب وشابات وبأعمار متفاوتة يتكدسون بالمولات والكافيهات يتباهون بأحدث صيحات الموضة الشابة، المال يملأ جيوبهم، لهم لغتهم الخاصة وأساليب متفننة في نطق الحروف والكلمات، حفلاتهم ما أكثرها، الفرح والسعادة عند أغلبهم يكون بالصخب والإسراف حتى وإن ازعج الآخرين، أشكالهم وملابسهم وحياتهم تقليد مكرر بين الجميع وكأنك ترى صورة مكررة باهتة والأهل يتجاهلون ذلك، وكما قالت إحدى الأمهات: إنها التربية الحديثة فكونوا كوول (be cool).
مبالغ تمثل راتب شهر لموظف كيف أصبحت بأيديهم بهذه البساطة، أمهات وآباء يرون أن التربية الحديثة هي في تدليل الأبناء وعدم حرمانهم، ويوهم البعض نفسه بأنه سيمتع أبناءه بما حرم منه في صغره، فأعطوا وبكرم وإن اقترضوا وتكلفوا حتى لا يشعر الأبناء بالدونية الحديثة حسب رأيهم ولا يكون الأبناء أقل من مستوى أصحابهم أو أقرانهم وصنف آخر تساهل ماديا مع الأبناء وأهمل في متابعتهم وتوجيههم، وصنف يقف عاجزا أمام ما يراه تتخطفه الحيرة تجاه أبنائه.
دلال ومال وحرية غير مسؤولة في الأغلب، وتراخ وتساهل من قبل الوالدين جعل الأبناء يعتقدون أنهم ملكو الدنيا بما فيها وأن ما يتمتعون به هو حقهم الطبيعي في الحياة، وارتفع معه معدل الأنانية وحب الذات والمطالبات التي لا تنتهي حتى يعيشوا بالسعادة التي يتوهمونها، مبدأ تقييمهم للآخرين حسب ما يرتدونه، فإما أن يكون متحضرا أو صاحب ذوق قديم، حبهم المتزايد لذواتهم أفقد أغلبهم لغة الاحترام وأسلوبه خاصة في التعامل مع الكبار وأصبحت لغة الحوار بينهم شكلية ولم يعد للتوجيه والنصيحة دور.
نعترف بأن الأجيال تختلف عن بعضها بعضا وكل جيل يقول انه أفضل من الجيل الذي سبقه وحتى الذي أتى بعده ولكن للحياة قواعدها التي لا تتغير، فالمال وسيلة وأداة للحياة الكريمة والسماء لا تمطر نقودا وعلى الأبناء أن يتعلموا أهمية المال وانه لا يأتي بالسهولة التي يتوقعونها بل بالعمل والجد والكفاح، وصرف المال يكون حسب الاحتياجات، وان الإنسان لا يضره أن يعيش بمستوى متوسط مادام يعيش بكرامة وعزة نفس ويستطيع سد احتياجاته.
أنا وغيري كثيرون لسنا من قائمة «الكوول»، لكننا نؤمن بأن البشر كالزجاج عندما ينكسر يجرح غيره، فالأبناء هم الثروة الحقيقية ولكن التحضر ليس بالشكليات ولا في مضيعة المال والوقت بل في أخلاقك العالية وثقافتك واحترامك للآخرين، وإن جمال شكلك الخارجي ورقي ملابسك يشعرك بالأمان والجمال والقبول، ولكنه ليس مصدرا لقوتك وتميزك لأن القوة تنبع من داخلك عندما تقرر من تكون وما الذي تريده وكيف تصل إليه بقيمك ومبادئك وعزة نفسك وتمسكك بدينك عندها ستستكين نفسك وسترافقك السعادة والرضا في كل أمور حياتك.
[email protected]