عندما تم الإعلان الرسمي عن التشكيل الوزاري الأخير، افتقدنا اسم المهندسة الدكتورة رنا الفارس، وتساءل الكثيرون عن السبب في ذلك لتأتي الإجابة بأنها اعتذرت عن عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، للأمانة لم تكن د.رنا الفارس وجهاً نسائياً عادياً يمكن أن يمر مرورا عابرا ويُنسى بسرعة، بل كانت بصمة كويتية راسخة وبعمق.
حدثتني مهندسة وقيادية في إحدى الوزارات بأنه خلال فترة عملها في الوزارة والتي امتدت لأكثر من عشرين عاما تعاملت خلالها مع العديد من الوزراء ولكن الوزيرة د.رنا الفارس كانت المميزة بينهم بجديتها وإنجازها الوظيفي وجرأتها في اتخاذ القرارات، حتى أنها تمنت لو أنها تستمر في كرسي الوزارة لأطول مدة.
الجميع يعملون، ولكن من يترك بصمته الخاصة قلة، وكما يقال الطريق إلى التميز مرهق، لذلك نادرا ما يكون مزدحما، فالناجحون لا يشتكون من عدم القدرة على الإنتاج والعمل، ولا يضعون المعوقات أمامهم ويتساءلون ماذا سنستفيد من هذا أو ذاك، بل هم يجتهدون ويبحثون عن الفرص التي تساعدهم للتغلب على المعوقات ويملكون الجرأة التي تساعدهم على تحقيق النجاح.
د.رنا الفارس ركبت أمواج التحدي عندما تحملت، كمديرة البرنامج الإنشائي في جامعة الكويت، مسؤولية تشييد جامعة الشدادية، حلم كل الكويتيين، ورغم كل ما مرت به من ضغط الإشاعات وكثرة العراقيل وتعدد الحرائق التي اشتعلت في بعض الأماكن وبعد سنوات عجاف وبإصرارها والفريق المشارك معها ظهرت للوجود جامعة الشدادية كصرح أكاديمي علمي نفتخر به.
تدرجت د.رنا الفارس في المناصب سواء داخل جامعة الكويت أو كمناصب قيادية في الحكومة، كما تقلدت منصب وزيرة لأكثر من وزارة منذ عام 2019 حتى أحدث تشكيل وزاري سبتمبر 2022، فكانت وزيرة الأشغال العامة ووزيرة دولة لشؤون البلدية ووزيرة دولة لشؤون الإسكان ووزيرة دولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورئيسة مجلس إدارة «المؤسسة العامة للرعاية السكنية».
لا أذكر منذ أن سمعت باسم د.رنا الفارس حتى هذه اللحظة أنها اشتكت من مؤامرات تحاك ضدها، أو ظلما وقع عليها من فلان أو غيره، واجهت بهدوئها التام ومثابرتها وعزمها كل الصعاب، فأصحاب العزائم القوية أهدافهم واضحة والعمل يمثل لديهم قيمة كبيرة، وفي كل مجال عملت به كان حضورها طاغيا وإنجازاتها واضحة وبنظافة يد مشهود لها، وهي من تتحدث عنها بلا كلمات ترتدي ثياب الزيف والمبالغة.
إن قيمة الأشخاص في الحياة تأتي من رؤيتهم الذاتية لأنفسهم، ومن قيمة الأعمال التي يقدمونها، والمهندسة الدكتورة رنا الفارس تمثل قدوة كويتية للأجيال الشابة، وتقدم لنا نموذجا لحب العمل والعطاء بصمت راق وابتسامة هادئة مريحة، لم أكتب هذه المقالة إلا للتعبير عن تقديري التام للوزيرة د.رنا الفارس، وللعلم فلا علاقة شخصية ولا قرابة تربطني بها، وأقول لها «كفيتِ ووفيتِ»، وأتمنى أن تعـود للوزارة من جديد.
[email protected]