رحلت منيرة، رحلت من أنارت الطريق وأضاءت النفوس وطمأنت القلوب، رحلت أختي وصديقتي وزميلتي ورفيقة دربي في خدمة الاشخاص ذوي الإعاقة والدفاع عنهم محليا ودوليا.
رحلت المحبة للخير، رحلت إحدى مؤسسي الجمعية الكويتية لرعاية المعاقين ومن ساهمت في تأسيس الجمعية الثقافية النسائية ومن عملت بجهد وإصرار مع الشيخة شيخة العبدالله الخليفة الصباح لإنشاء النادي الكويتي للمعاقين وعضو أول مجلس إدارة فيه.
رحلت المحبة للعلم والعلماء، رحلت من أرادت للمعاقين مدرسة وتأهيلا وعلا وطريقا سهلا معبدا وخدمات متقدمة، رحلت من أرادت للأشخاص ذوي الإعاقة قانونا حاربت من أجله سنوات طويلة.
حاربت من أجل التعليم وخاصة تعليم الأبناء ذوي الإعاقة والذي تم بفضل الله ثم بفضل عملها الدؤوب وإيمانها بهؤلاء الأبناء وقدراتهم، حيث تم إغلاق إحدى البلكونات في الجمعية الكويتية لرعاية المعاقين في حولي أوائل الثمانينيات لتكون هي نواة المدرسة، حيث ثابرت وحاربت واستعانت بالكثير من الخبرات المحلية وعملنا معا لاستقطاب متخصصين من أوروبا وأميركا حتى تم افتتاح مدرسة للأشخاص ذوي الإعاقة في محافظة حولي تبعتها مدرسة أخرى في محافظة الجهراء وثالثة بمحافظة الأحمدي، وعملت على تطبيق المادة 24 من الإتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة قبل التفكير بالاتفاقية ومناقشتها دوليا والتصديق عليها، ثم بدأت تعمل بنشاط من أجل تطبيق المادة 26 من الاتفاقية الدولية، ولم تهدأ حتى تم وضع التصاميم اللازمة لإنشاء مركز حديث بمنطقة غرناطة، حيث بدأ العمل ببنائه قبل عام ونصف، كما عملت من أجل المادة 27 من الاتفاقية الدولية بتوفير العمل وبيئة عمل مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الإعاقة الذهنية.
كانت تعمل جاهدة لتطبيق المادة التاسعة من القانون الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة والتي تنادي باستقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة وتسهيل تنقلهم وجعل المباني مهيأة لهم وتسهيل ارتياد وسائل المواصلات وتيسير الحصول على المعلومات والتكنولوجيا، وعملت من خلال الجمعية الكويتية لرعاية المعاقين وبتمويل من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وتشجيع من عبداللطيف الحمد وبالتعاون مع منظمة التأهيل الدولي، عملت على تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بالمباني وتسهيل ارتيادها بالكويت والمنطقة العربية.
حاربت من أجل القانون الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة واستعانت بمحامين وأسر وأشخاص ذوي إعاقة، تسمع لهذا وتناقش ذاك وتستشير هنا وتراسل وتترجم القوانين الدولية وتتابع كل ما يتعلق بحقوقهم يوم لم يكن هناك كمبيوتر ولا إيميل ولكن مفتاحها التلفون والفاكس، سافرنا لدول كثيرة وحضرنا مؤتمرات عديدة نستعين بقوانينها وانتصرت أخيرا بإشهار الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد منعتها ظروفها حضور الاحتفال لتوقيع الاتفاقية، كانت تتابع معي، رحمها الله، من نيويورك رغم اختلاف الوقت تتابع على التلفون وقائع احتفال التوقيع، وتشكر الباري عز وجل على هذا النصر وكذلك عملت على صدور المرسوم الأميري للقانون الكويتي للأشخاص ذوي الإعاقة وعانت حتى رأى النور.
كانت، رحمها الله، مندفعة لخدمة الآخرين وسريعة القرار فيما يتعلق برفاهية الأشخاص ذوي الإعاقة، تريد كل شيء ولا ترضى بأنصاف الحلول لا تحب ولا ترضى بظلم أحد ولا تحب أن ترى نفسا مكسورة أو حزينة، تبحث عن عمل الخير وتسعى له ولا تنتظر أن يسألها أحد، تبحث عن العطاء محليا ودوليا تبرعت لمؤسسات وجمعيات وأفراد في الكويت ومصر ولبنان والأردن والخليج وغيرها من الدول العربية، كما ساهمت بمشاريع في أوروبا وأميركا.
كانت تشجع الشباب وتحث على التطوع والعطاء وتستقطب الخريجين وكنت أحدهم، حيث شجعتني منذ بدأت متطوعا في السنة الأخيرة من دراستي الجامعية وكانت خير معين وسند لتفهم طبيعة العمل مع هؤلاء الأبناء، حيث تعلمت منها الكثير واستمرت بدعم المتطوعين وتشجيعهم ليس للعمل في الجمعية فقط ولكن للتطوع بجميع المؤسسات بالكويت، دعمت منظمة الحراك الدولي ماديا يوم كانت على وشك الإفلاس والانهيار حتى نمت وعاد الاعتراف بها دوليا، وأصبحت الكويت مركزا إقليميا للمنظمة المذكورة، دعمت منظمة التأهيل الدولي خاصة الإقليم العربي وأصبحت الكويت مركزا للمنظمة في المنطقة العربية ولها العديد من المناصب في المنظمة العالمية العريقة.
كانت خير سفير للكويت وخير من يمثلها بجميع المحافل واللقاءات الدولية والعربية بحضورها وتميزها وخلقها، ما سمعت عن مشروع خيري إلا وساهمت به، أحبت العلم والعلماء وشجعت طالبي العلم، لم تسمع عن أسرة محتاجة إلا ومدت يد العون لها ولم تعرف متعثرا إلا وساندته هي وزوجها المغفور له فيصل السلطان الذي كانت وفاته مأساة لها وزلزالا مدويا في حياتها، رحمها الله.
وثقت بقدرات الأبناء الفنانين من ذوي الإعاقة فشجعتهم وتبنت عطاءهم وأقامت المؤتمرات والمعارض الفنية وورش العمل واستضافت الفنانين من ذوي الإعاقة من الدول العربية حتى أصبحت الكويت مركزا للفنون الخاصة ووصلت لوحات ومنتجات الأبناء من ذوي الإعاقة إلى نيويورك وواشنطن والقاهرة وجميع الدول الخليجية وما أن يحصل أحد الأبناء على ميدالية أو جائزة حتى ترى فرحة منيرة المطوع، رحمها الله، وكأنها صاحبة اللوحة الفائزة تتكلم وتصف العمل بكل فخر واعتزاز وتسارع لتهنئة الفائز وأسرته وتقيم حفلا تكريميا له.
لا أعرف ماذا أقول بإنسانة مثل منيرة.. سأفتقدك وأفتقد الحديث معك وتبادل الأفكار وسأفتقد هدوءك وسلامك ووجودك.. كنت المنيرة للجمعية والمنيرة لأسرتك وإخوتك وأصدقائك وزملائك ولا نجد من ينير طريقنا بعد الآن.. دعائي بأن ينير الباري عز وجل قبرها ويسكنها فسيح جناته وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأن يلهم أسرتها الكريمة ومحبيها وأبناءها من ذوي الإعاقة الصبر والسلوان.. وأسألك يا رب العالمين أن تمنحني القوة والصبر على فراق من أنارت جمعيتنا وعملنا، إلى جنة الخلد يا من كنت منيرة.