في مثل هذه الأيام نستذكر جميعا تاريخا مشرفا من البطولات والتضحية في حب الوطن والذود عنه، ونحن نعيش خلالها الذكرى السنوية الثامنة لوفاة قائد لواء تحرير الكويت الأمير الوالد الراحل المغفور له الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح وقد اتشحت الكويت بالسواد حدادا على الراحل الكبير ذي القامة العالية.
ثماني سنوات مضت وانقضت بعد رحيل أميرنا الوالد ومازال عطره الفواح يملأ جنبات الكويت.. ثماني سنوات لم تفلح في تحريك ستائر النسيان فلا تمر لحظة إلا والذكريات الطيبة تستدعي مواقفه وتدعونا إلى الترحم عليه وتؤكد لنا كم كان قائدا بعيد النظر ثاقب البصيرة.
في هذه الذكرى كان لزاما علينا شهادة حق للرجل الذي تحمل مسؤولية الدفاع عن هذا البلد الطيب أهله، ونستذكر فيها بكل التقدير دور سموه الريادي ومواقفه المعهودة في الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة التي واجهها وطننا الغالي وتفانيه وإخلاصه في حب الوطن.
كان لسمو الأمير الراحل بصمات واضحة في معالجة كل ما واجهته الكويت خلال توليه رئاسة الحكومة، حيث واجه الشيخ سعد الكثير من الأزمات الاقتصادية التي كان أولاها انخفاض سعر النفط واتخذ الكثير من الخطط المدروسة لاحتواء أزمة انخفاض العائد النفطي، ولم يدع الأزمات الاقتصادية تشغله عن توجيه عناية فائقة لنهضة البلاد العمرانية، وظل رغم الأزمة على سياسة تقديم المساعدات المالية الخارجية للدول الصديقة والشقيقة، وكل هذا بتوجيهات سمو أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله، وبمساعدة ومساندة رفيق دربه صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
وواجه سموه طوال حياته السياسية ظروفا وتحديات داخلية وخارجية عدة استطاع أن يبدي خلالها أداء رفيعا ومقدرة وحنكة، ولعل من أبرزها اندلاع شرارة الحرب العراقية – الإيرانية، التي استمرت ثماني سنوات عانت الكويت فيها سياسيا واقتصاديا بسبب الأجواء الاستثنائية المتوترة آنذاك على المستويين الإقليمي والدولي.
ورغم أنه قدر لسمو الأمير الراحل أن يتولى رئاسة الحكومة في ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد إلا انه بذل جهودا كبيرة لمواجهة هذه الظروف والتحديات وعمل على تعزيز قدرات البلاد الدفاعية والأمنية ورفع كفاءتها البشرية والمادية، وساهم سموه في إصدار الكثير من التشريعات المتعلقة بالإسكان والتجنيس وإيجار المساكن والوظائف العامة والضمان الاجتماعي وعمل على تحديث المرافق العامة وزيادة الخدمات في المجالات كافة واهتم بشؤون الثقافة ودعم المؤسسات التي تقوم بالبحث العلمي وعمل على دعم صندوق احتياطي الأجيال المقبلة، وحرص على تحقيق العدالة وتطوير التشريعات، وأولى مشكلة الإسكان جل اهتمامه واهتم ببرامج الرعاية الإسكانية وحاول أن يضع الحلول الصائبة لمشكلة العمالة الوافدة واهتم في الوقت نفسه بتنمية العمالة الوطنية.
كما عمل سمو الشيخ سعد خلال فترة الاحتلال على رعاية مصالح المواطنين والمقيمين بالكويت وأعلن ضمان الحكومة لكل الودائع والمدخرات المصرفية والتزام الدولة تسديد جميع مرتبات الموظفين في القطاع الحكومي بأثر رجعي وكذلك سداد مكافأة نهاية الخدمة لجميع الذين غادروا البلاد من غير الكويتيين وعمل على رعاية مصالحهم بالخارج.
ولن ننسى لقاء سموه برؤساء تحرير الصحف حين تم تكليفه بتولي الوزارة العاشرة إلى جانب ولاية العهد في 16 فبراير 1978 وركز سموه على الوحدة الوطنية والعمل من أجل إعلاء قيم المواطنة، مؤكدا أن الوحدة الوطنية هي اللبنة الرئيسية التي تعلو بها الكويت.
وإيمانا من سموه بأن قوة أبناء الكويت تكمن في وحدة الكلمة ووحدة الصف كان الشيخ سعد يخصص يوم الاثنين من كل أسبوع ليكون موعدا للقاء المواطنين الذي بدأه سموه في 22 أكتوبر 1979، حيث كان سموه يستمع إلى جميع شرائح المجتمع ويحثهم في جو أسري على الترابط والتعاضد.
كما كان سموه يؤمن بأن قوة العرب الحقيقية في تضامنهم، ولذلك حرص على لم الشمل العربي وتسوية النزاعات العربية بالطرق السليمة والتركيز على الأهداف القومية للأمة العربية وقضاياها المصيرية.
ولم تتح فرصة للمواطنين الكويتيين إلا واستغلوها للتعبير عن حبهم للشيخ سعد خاصة حين غادر في 11 مارس 1997 للعلاج في بريطانيا بسبب العارض الصحي، حيث لم تنقطع الزيارات والبرقيات لسموه وكانت عودته في 12 أكتوبر 1997 مبايعة حقيقية له فشهدت الكويت استقبالا جماهيريا حاشدا شاركت فيه كل شرائح الشعب الكويتي ببرامج وتجهيزات أعدت بشكل طوعي حبا وتقديرا لسموه وقال سموه حينذاك «إن ما أظهرتموه تجاه شخصي الضعيف من حب وتعاطف ورعاية كان دليلا ناصعا على أصالة معدن أهل الكويت ومروءتهم وشهامتهم».
إن أميرنا الوالد كان مدركا لمسؤولية القيادة وأمانتها وكان يرى دائما أن اتخاذ القرار وصناعته هو في النهاية هبة من الله وان تبعات أي قرار يجب أن تكون مدروسة بعناية خاصة، وقد تجلى ذلك في الكثير من المواقف الحاسمة والحازمة التي كان فيها صنديدا لا يساوم ولا يجامل على حساب وطنه.
رحم الله أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الذي كان عاشقا لتراب وطنه ومعينا لشعبه محبا له، ورحم الله الشيخ سعد الذي سيظل تاريخه مضيئا بصفحات من نور وسيظل علامة فارقة في حاضر الكويت ومستقبلها، وحفظ الله الكويت وشعبها تحت قيادة حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وسمو ولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح حفظه الله.