كنت في مجلس يضم مجموعة من أساتذة «التطبيقي» المتقاعدات في مجال الأزياء، دار نقاشنا حول الفكرة غير المسبوقة لإحياء الأزياء التراثية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لسباق كأس السعودية العالمي للخيل، والتي تناقلتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بردود أفعال متباينة.
هناك ارتدى كل من الرجال والنساء أجمل الثياب التراثية المحتشمة الثرية بزخارفها المطرّزة.
لا شك أنها رسالة تعبر عن اعتزاز المملكة بهويتها أمام ضيوفها، وأمام جيل من أبنائها لم يسبق لهم مشاهدة هذا الكم الزاخر من الملابس التراثية الثرية بتفاصيلها، المتنوعة والمنتقاة من كل زوايا المملكة ومشاهدتها في مكان واحد.
وبحكم تخصصنا في هذا المجال، دفعنا الفضول لمعرفة المزيد حول القائمين على تنفيذ هذه الفكرة اللافتة، فعرفنا أن خبراء ودكاترة أكاديميين متخصصين من الكفاءات الوطنية السعودية وراء الجهد المبذول، من بينهم الخبيرة في مجال التراث وأستاذ تاريخ الأزياء والمنسوجات التقليدية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، الرائدة في هذا المجال بدول الخليج العربي «د.ليلى صالح البسام»، ونخبة من مصممات الأزياء.
ثم أدركنا أن وراء هذا الحدث وزارة للثقافة وضعت ضمن استراتيجيتها العامة 16 قطاعا، تصب جهودها المتباينة في أنشطتها ومجالاتها لإظهار صورة متكاملة ومشرقة للمملكة، من بينها مجال الطعام وفنون الطهي، والثاني للأزياء.
ففي المجال الأول، يتم تصنيف المطاعم والأطباق والطهاة، ووضع الآليات والضوابط والاشتراطات ذات الصلة بفنون الطهي، وتسجيل الأطعمة السعودية وتدوين وصفاتها ونشرها والتعريف بها محليا ودوليا، إلى جانب تشجيع إجراء الأبحاث والدراسات والتطوير في مجال فنون الطهي، أما المجال الثاني فهو مجال الأزياء المهتم بكل تفاصيل موروث الملابس وتاريخها والعمل على إبرازها.
نهنئ المملكة العربية السعودية الشقيقة على اهتمامها بجميع التخصصات، كم هو جميل أن تحرص الدولة على تنويع التخصصات الأكاديمية والمهنية سواء بالجامعات أو الكليات أو المعاهد والحاضنات، وكم هو مؤسف ومخجل أن يغلق في بلدي الكويت معهد بثلاثة تخصصات من بينها الأزياء بين ليلة وضحاها!
كثيرا ما نشاهد عبارة «مغلق بالشمع الأحمر» معلقة على باب محل أو دكان، لمخالفته اشتراطات صحية أو قانونية، وسرعان ما يعود من جديد إما بعد تصحيح مساره أو بتسمية جديدة وبضاعة مختلفة، هكذا حال الدكاكين، فالتعليم بتفرعاته وتخصصاته يا سادة ليس ببقالة ولا دكان!
لقد طال الشمع الأحمر أبعد مدى في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، حتى انه وصل لبعض مجالات العلوم والفنون، وحوصرت من كل جانب، فأغلق قسم الاقتصاد المنزلي في كلية التربية الأساسية حتى إشعار آخر! لماذا يحدث ذلك؟ ولمصلحة من اختفاء تلك التخصصات الجميلة عن بكرة أبيها، وتجميد عدد كبير من الكوادر والكفاءات من دكاترة وأساتذة ومدربين، أهي تصفية حسابات كما نفهمها حين تسود الخلافات؟
نظرة واحدة إلى دول الجوار المتطلعة للتطوير كفيلة بتحديد مواقع القصور لدينا في مجال الغذاء والتغذية والطهي وفنونه وتصميم الأزياء.
ينبغي إعادة النظر بكل جدية في ذلك، فهناك من يبحث عن تلك التخصصات ويرغب في دراستها، لماذا ندفع أولادنا للسفر إلى الخارج وأنتم تملكون كل الإمكانيات؟ ولأنني من جيل تعلم على يد معلمات فاضلات تخرجن في دار المعلمات، تلك الدار المتنوعة بتخصصاتها النسوية الجميلة، كبرت الدار وصارت معهدا للمعلمات، ثم تطور المعهد ليصبح كلية للتربية الأساسية، تنوعت بها العلوم تحت مظلة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، ونشأت المعاهد الفنية لتغطي جميع التخصصات باحترافية، لكن على ما يبدو هناك تراجع في الأداء والرؤية وآلية معالجة الأمور الإدارية، وهناك تخبط من قبل المسؤولين في اتخاذ القرارات مع الأسف الشديد. الأمر يحتاج إلى وقفة ودراسة حيادية بعيدة عن الشخصانية في معالجة الأمور.
ألم يلاحظ الإخوة المسؤولون شغف شبابنا واهتمامهم بتلك المجالات؟ فقط نريد منهم نظرة متأنية لما يدور حولنا، هناك موجة من الأنشطة التجارية الرائجة بين الشباب الكويتي في السنوات الخمس الماضية، وطلب مستمر على فتح المطاعم والمقاهي، وإدارتها، وإشرافهم المباشر عليها بهمة عالية، وممارسة بعضهم الطهي بتفنن غير مسبوق عبر السوشيال ميديا، وعدد المتابعين لهم بالملايين، وشكلت الفتيات حركة تجارية نابعة من عشقهن للأزياء، تفجرت إبداعاتهن في معارض الأزياء، ولمعت حساباتهن عبر الانستغرام ووصلت طلباتهن إلى الخارج، وأصبحت بيوتهن مشاغل للخياطة، أليس هذا دليلا قاطعا على رغبة وحاجة الشباب لمثل تلك التخصصات؟! ألم يكن من الأجدر تأهيل هؤلاء الشباب على أسس علمية أكاديمية بمستوى راق يليق بتطلعاتهم وطموحاتهم ليزدادوا إبداعا ونسعد بنجاحاتهم؟!
ونتساءل: لماذا لا يتم تحويل كلية التربية الأساسية إلى كلية الفنون الجميلة لتشمل عدة تخصصات منها الغذاء والتغذية وتصميم الأزياء والتربية الفنية والتصميم الداخلي والديكور وتصفيف الشعر والتجميل وغيرها من الفنون الجميلة، ويكون سوق العمل للخريجين مفتوحا يغطي كل قطاعات الدولة، وترحل المواد الأساسية إلى كلية التربية بجامعة الكويت؟ لماذا تلك الازدواجية في المسميات وسوق العمل واحد هو وزارة التربية؟! ومنا إلى مدير الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
[email protected]