احترت من أين أبدأ حديثي معكم أيها الجيل الجديد، وكيف أنتقي مفرداتي لأخاطبكم فتفهموا ما أقول، منذ فترة طويلة وأنا أجتهد في مراقبة لغة الحوار لجيل يصعب عليه الاسترسال في كلامه مع الآخرين بكلمات عربية أو عامية، أو حتى الكلام من غير الاستعانة بمفردات أجنبية للتعبير، جيل منذ صغره تلقى بعض المفردات الأجنبية من المربيات والعاملات داخل البيوت، فأتقنها الطفل واستحسنها الوالدان، وتنافس أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في أحسن الحضانات الأجنبية، والتي شرطها الأول في القبول هو أن يجيد الطفل الانجليزية بطلاقة، فتبدل الحال وألقى الآباء والأمهات الأحرف الأبجدية بكاملها خارج أسوار منازلهم، وصارت الحوارات بين أفراد الأسرة باللغة الأجنبية، فالإخوان والاخوات والخالات والعمات وأصدقاء العائلة، جميعهم عليهم أن يخاطبوه بلغة يفهمها، اللغة التي تريدها المؤسسات التعليمية الأجنبية فيتفضلوا عليهم باستمرارية قبوله في المراحل القادمة، هكذا هي الرياح الأجنبية عاتية بجبروتها على كل الأصعدة.
في عام 2009م بدأت دائرة التعليم الخاص تتضخم بعد إعلان تقرير شركة توني بلير - رئيس الوزراء البريطاني السابق - حين قال إن مستوى التعليم بالكويت في خطر! ثم غادر وفي جيبه الملايين!
هلع أولياء الأمور من كلمة «خطر» التي وردت في التقرير، وثارت ثائرة الصحافة وتنافست أقلام الكُتّاب بالسخط على مستوى التعليم الحكومي في مقالاتهم، وكانت النتيجة أو الحل في نظر الحكومة هو أن جلبت لنا مدارس وجامعات أجنبية، واشتغلت التجارة على أصولها، طبعا ارتفع الطلب على التعليم الخاص بشكل لا مثيل له، لم يدرك الجميع أن الخطر الأكبر يكمن في فقدان الهوية العربية، خرج لنا جيل لا يتحدث العربية لا داخل منازلهم ولا خارجها.
نعم، ندرك أن اللغة الأجنبية هي السائدة في العالم، ومن لا يجيدها يظل خارج دائرة العالم والمعرفة في هذا الزمان، لكن علينا أيضا أن نجيد استخدامها في مكانها الصحيح، ويجب أن نفهم أنها مجرد لغة ثانية، فنتحدث بها وبغيرها من اللغات مع الأجنبي الذي لا يجيد العربية.
أسفي على جيل عربي قادم لا يحسن القراءة والكتابة والمخاطبة بلغته الأم، جيل في عزلة اجتماعية مع أقرب الناس اليه الجد والجدة، لأنهم ببساطة كل منهم لا يفهم ما يقوله الآخر!
فقدان أو ضعف اللغة العربية يا جماعة الخير خلقت فجوة اجتماعية حقيقية مؤلمة، جيل يلازم أقرانه لوجود لغة مشتركة بينهم، هي الأكثر ارتباطا بالنسبة لهم من أفراد عائلتهم الكبيرة ومجتمعهم الأكبر، فقدوا مجالس الكبار فخسروا النصائح والخبرة في الحياة، نعم تأثرت وستتأثر الحياة الاجتماعية مع تقليص أهم عنصر من عناصر مقومات المجتمع إنها اللغة العربية، والمنطق يقول سيتأثر من بعدها عنصر الدين، فمن لا يجيد العربية لا يحسن قراءة القرآن، ولا فهم خطبة الجمعة، ولن يكون المسجد ملاذه في رمضان ولا غير رمضان. وربما تتزعزع القيم والعادات والتقاليد والعيب والأخلاق، جميعها منظومة واحدة تشكل ملامح مجتمع، إن عناصر الحياة المجتمعية كالكرة إذا تم «طعجها» من جهة اختل توازنها، فلن يستقيم مسارها إلا بزيادة ما نقصها من هواء، واللغة العربية كالهواء الذي نتنفسه، ليست اللغة الوحيدة التي تلقت ركلات في خاصرتها، إنما كل ما يمثل هوية مجتمعنا تلقى ضربات مماثلة، ما أحوجنا الى حارس مرمى محترف يتصدى لتلك المحاولات.
أما عن قضية الهوية، فأتساءل: إلى أين نحن ذاهبون في مسألة فقدان الهوية لا أدري؟!
ففي اللغة اختلف الكلام، وفي ملابسنا نراها خرجت عن دائرة الذوق العام، وفي العمارة لم تعد تفاصيل منازلنا بالنكهة العربية الجميلة، لا أرى سوى رغبتنا في محو الهوية بكل أشكالها! أعتقد أننا نحتاج الى وقفة تأمل لتصحيح المسار.
أقف عند الآية الكريمة: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) سورة البقرة 61.
تعالوا لنرى بعض ما تم استبداله في جوانب حياتنا، كان اللباس قديما محتشما فهو «خير»، منازلنا العربية بتفاصيلها منتهى الجمال والانشراح، تلامس أجسادنا أشعة الشمس فلم نسمع عن نقص فيتامين «د»، نشاهد السماء ونستنشق الهواء ونرى القمر والنجوم مع انتقالنا من غرفة الى غرفة، فطراز بيوتنا العربية القديمة هي بلا شك «خير» لنا، لذلك ليس كل جديد أفضل.
وأخيرا، لغتنا العربية لغة القرآن الكريم فهي حتماً «خير» من كل اللغات الأجنبية في العالم، فلنتمسك بلغتنا ولنحافظ على مكانتها لتظل هي وحدها الأولى دائما، ولن نسمح بأخرى مشاركتها الصدارة، فلنرفع شعار «لطفاً، كلمني بالعربي».
ودمتم..
[email protected]