أيتها المرأة الحديدية التي صنعت لبلدها سلسلة من الإنجازات الثقافية المشرفة بطموحها اللامحدود، ماذا عساه أن يضيف قلمي الصغير في هذه السطور لصيت إنجازاتك الذي تعدى حدود وطنك، لقد سبقنا في الإشادة بك كبار الكتاب، ومازلت أتذكر مقالا قرأته منذ سنوات للكاتب الكبير محمد مساعد الصالح - رحمه الله - في صحيفة «القبس» يشيد بعطائك وإنجازاتك، ولم يكن مبالغا حين رأى أنك تستحقين أن تخلّدي بتمثال.
الشيخة مي بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة فخورون بعطائك المخلص لبلدك وحفاظك على تراث البحرين، وحين نقول البحرين لا يحق لنا أن نصفها بالبلد الثاني أبدا فهي للكويتيين قطعة من الفؤاد، في كل زيارة لمملكة البحرين تأخذنا أقدامنا إلى أزقة المحرق العتيقة فتكون «قهوة بوخلف» أولى محطاتنا، نبدؤها (باستكانة الشاي) المغلفة بالحفاوة والترحيب من الشاب النشط «ماجد» - القائم على إدارتها - نسأله عن جديدك فيرشدنا إليه بكل لطف مقدما إلينا كتيبا أنيقا بطبعة فاخرة، يحتوي على جميع المراكز الثقافية وفعالياتها، وهكذا في كل زيارة نرى جديدا يضيف بحرا من بحور المعرفة الى تاريخ وتراث البحرين بلد الطيبين.
ليس من السهل على أي مسؤول في أي مؤسسة أو هيئة ثقافية أن يعمل على تحويل منازل الرواد الأوائل من أبناء وطنه إلى متاحف ومراكز ثقافية، لقد تفردت الشيخة مي الخليفة بقدرتها الفائقة على الإنجاز السريع والمتقن في آن واحد رغم بعض الصعوبات المالية.
إن المتتبع لتاريخ افتتاح كل بيت تراثي أو مركز ثقافي يجد أنها متقاربة، فنكاد نجزم بأنها تعزف على كافة أصابعها في آن واحد لتقدم نوتة جميلة تحكي لنا تاريخ وثقافة البحرين بألحان خالدة تلامس قلوبنا كألحان (يالزينه ذكريني).
لقد سطرت لنا تاريخ رجالات البحرين الأوائل في كافة المجالات بأسلوب مختلف، وجسدت سيرتهم العطرة تحت سقف بيوتهم العتيقة، على سبيل المثال لا الحصر، إحياء مجلس جدها الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة كمركز ومعلم لملتقى الأدباء والمثقفين العرب، وركيزة لبداية الانطلاقة الماراثونية، ثم توالت البيوت التراثية الواحد تلو الآخر بحماس وفن لا مثيل له تحت إشراف مصممي ديكور عالميين، فهذا بيت رائد الصحافة البحرينية عبدالله الزايد، وذاك بيت الأديب إبراهيم العريض للشعر، وبيت رائد فن الصوت والطرب للفنان محمد بن فارس، وعمارة بن مطر تاجر اللؤلؤ في البحرين، وبيت في المنامة شهد طفولة شاعر وأديب ووزير هو الديبلوماسي السعودي د.غازي القصيبي، جميعها تحولت إلى مراكز ثقافية جذابة لا تمل من زيارتها، مزودة ببعض مقتنياتهم الشخصية في عرض جذاب بالصوت والصورة لتكتمل صورتهم أمام الزائر، الجميل هو مرورك في تلك (الفرجان) العتيقة فتتذوق روعة التصميم والتنفيذ والديكورات الراقية المتناغمة مع الطابع التراثي لبيوت يزيد عمرها على المائة عام.
لم تكتف بذلك بل ربطت تاريخ البحرين القديم بالجديد بعرض الصوت والضوء على جدران قلعة البحرين بأسلوب ترفيهي ثقافي، شيدت المكتبة الخليفية في المحرق، واهتمت بترميم المآذن والمساجد التاريخية القديمة، لم تغفل عن مركز الحرف اليدوية في بيت الجسرة، ورش العمل والدورات شاهدة على اهتمامها، حافظت على بيت الكورار لصنع الأثواب البحرينية التراثية، لمساتها في مدخل سوق باب البحرين في المنامة واضحة، كل ما ذكرته في هذه السطور غيض من فيض، والقائمة طويلة.
الشيخة مي بنت محمد آل خليفة كفيتِ ووفيتِ، فعلت الكثير حتى انك لم تترك شيئا لمن يأتي بعدك، نعم يا مي لقد أتعبتِ من بعدك، فمن يستطيع أن يجاري حجم إنجازاتك الخالدة المتسارعة والمتقنة في آن واحد؟
وأخيرا، شكرا لك من الأعماق لقد جمّلت في عيوننا البحرين فوق ما هي جميلة، ونهنئ الشيخ خليفة بن أحمد بن عبدالله آل خليفة بتعيينه رئيسا لهيئة البحرين للثقافة والآثار، متمنين أن يعينه الله على محافظة هذا الإرث الثقافي القيم وأن يكون خير خلف لخير سلف.