لم تكن عقولهم واعية عندما أقدموا على هذا الجرم، ولم يستوعبوا أن بفعلتهم هذه يقضون على مجتمع بأكمله وينخرون بأركانه، وفي هذه المداولة نسلط الضوء على قضية من العيار الثقيل «قضية الشهادات المزورة للمؤهلات العليا البكالوريوس والماجستير والدكتوراه».
وكذلك الشهادات المهنية الصادرة من خارج البلاد، ولو سألت أحد أصحاب هذه الشهادات عن المدة الزمنية التي استغرقها لحصوله على شهادته لربما كانت إجابته «ساعات معدودة» وهو صادق في قوله لأنها المدة التي استغرقتها رحلة الطيران من مطار الكويت الى مطار الدولة التي بها الجامعة الحاصل منها على شهادته المزورة أو المضروبة.
سباق الحصول على الشهادات المزورة بين موظفين ومسؤولين في مختلف وزارات ومؤسسات وجهات الدولة بمختلف درجاتهم ومناصبهم اتسع محيطه ليشمل المهن الخاصة والحرة منها الطبية والهندسية والأكاديمية والاستشارية والقانونية، بل تعداها لينال الجانب الديني من دعاة مزورين وبما يسمون أنفسهم بالمشايخ في العلوم الشرعية والدينية وحتى الميدان العسكري تم اكتشاف ضباط في الداخلية والدفاع أصحاب شهادات مزورة.
يبدو أن القضية منذ زمن قديم إلا أنها ظهرت على السطح واكتشفت في عام 2018 وهناك مصادر ذكرت أن عدد الشهادات المزورة التي تم اكتشافها بلغ أكثر من 600 شهادة علمية ومهنية وتكلفة الواحدة منها تتراوح بين 12 و20 ألف دينار.
المسمى الأكاديمي أو المهني المرموق لم يكن الهدف الوحيد لفئة أصحاب الشهادات المزورة، بل كان طمعهم بسلب مناصب ومراكز عليا في وظائفهم دافعا أساسيا، ولإرضاء غرورهم بالحصول على ألقاب وهمية حتى يكون لهم برستيج ومكانة اعتبارية في المجتمع يتباهون بها.
أما عن الجرم الذي لا يغتفر جراء فعلتهم فيتمثل في الأضرار التي لحقت ضحاياهم، فمن سيعوض من صابته عاهة أو إعاقة أو مرض في جسده بسبب هذا الطبيب، ومن سيرجع حقوق أشخاص ضاعت لأن من تولى أمرهم قانوني مزور، أو من سيقتص الموظف الكفء صاحب المؤهل العلمي الحقيقي المستحق المنصب الذي سلبه صاحب شهادة مزورة، ومن سيجبر ضرر المجتمع ويثأر للحق العام الذي تم تدميره في جميع مجالاته وأركانه.
الأمر المشين أيضا في هذه القضية تدخل متنفذين بشكل أو بآخر لمنع كشف ومعاقبة أصحاب المؤهلات المزورة والمضروبة والتكتم على هذه القضية وعدم كشف أصحابها للرأي العام وحماية المتهمين بهذه القضية ومحاولة منع أن تقع عليهم العقوبات سواء فصلهم أو عزلهم من وظائفهم والتشهير بهم ولربما تغريمهم وسجنهم.
هنا نمر على الدور الرقابي لمجلس الأمة فيما يخص هذه القضية فقد أثيرت في إحدى جلسات مجلس 2018، حينما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحديث عن هذه القضية وردود الأفعال الصاخبة والأصوات الغاضبة من هذه الآفة، لكن بنهاية المطاف لم يقر مجلس الأمة أي قانون جزائي بتجريم ومعاقبة من يقدم على هذا الجرم على وجه الخصوص.
ثم نأتي لدور الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) التي ولابد أن يكون لها دور أكثر فعالية وصرامة للقضاء على هذه الظاهرة، وما قرأناه في تصريح أمينها العام بالإنابة د.محمد بوزبر والذي أعلن فيه عن مشاريع تهدف لتعزيز النزاهة والشفافية في المنظومة التعليمية لمكافحة عمليات التزوير في الشهادات الجامعية والمهنية ووضع معايير موضوعية لها.