الإنصاف والإجحاف ضدان لا يجتمعان بحال من الأحوال، فالإنصاف هو أن تعطي ما عليك من حق لصاحبه عن طيب نفس، وكذلك رفع الظلم، وحقيقته إعطاء النصف وهذا نابع من الاعتدال والاستقامة والميل إلى الحق. أما الإجحاف فهو الظلم بعينه والجور وعدم إعطاء الحق لأصحابه والتعدي على حقوق الناس والتكليف فوق الطاقة.
والإنصاف من شيم الكرام ولكننا في هذا الزمن نرى قلة الوفاء وتسيد المصلحة الشخصية على ما سواها ونسيان الود وجحود الفضل ونكران الجميل، مع العلم أن العدل والإنصاف قيمة إسلامية إنسانية عالية، وهذا هو المبدأ والجوهر الذي بعث الله تعالى به رسله وأمرهم بتحقيقه، إلا أنه لا حياة لمن تنادي.
مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بشيخ كبير من أهل الذمة وهو يتكفف الناس ويسألهم، فوقف عليه وقال كلمته المشهورة: ما أنصفناك، ان كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في شيبتك، ثم أمر له برزق دائم.
ولا أخال الإنصاف إلا أصبح عزيزا، حاله حال الوفاء، مع أن الجميع محتاج الى الإنصاف والعدل، ولكنه يبدو شاقا على نفوس كثيرة، ولعل التعصب والتحزب والاستبداد بالرأي من أهم أسبابه، وقد قال المولى عزّ وجلّ (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تتذكرون - الأنعام: 15).
وإذا ضاع الإنصاف وزاد الإجحاف انتشرت الأنانية والأثرة وبخس الناس أشياءهم، فتضعف أنفسهم وهممهم عن تحقيق الأمانة والجودة في الأعمال والمنجزات، ويضيع المجتهد الناجح في خضم ذلك، وتخفى المحاسن وتطفو المساوئ، إن الإنصاف ثمرة العدل ورونقه، فهو داعية التأني والتثبت في تصديق الأخبار وبناء الأحكام عليها، فأخذ الناس بالظاهر أمر غير مقبول، وختاما فالإنصاف فطرة ربانية سوية، وقيمة خلقية نبوية من أخذ بها وجعلها حلية له سعد وفاز في الدنيا والآخرة بإذن الله، ودمتم سالمين.