هذا شطر بيت حكيم ضمن قصيدة رائعة كلها مواعظ وفوائد ضمن قصة عجيبة وكائنة غريبة، وهو يدعو إلى الصبر وانتظار الفرج وعدم اليأس من روح الله، وقد أخذه صاحبه من قول المولى عز وجل (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) سورة الشرح، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه» فلا يمكن أن يغلب عسر واحد يسرين اثنين.
وقد قال الشاعر وأحسن:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وتقول القصة: دخل عبيد بن شرية الجرهمي وكان من المعمرين على معاوية بن أبي سفيان وهو خليفة، فقال له: حدثني بأعجب مارأيت، قال: مررت بدار قوم يدفنون ميتا لهم يقال له جبلة بن الحويرث، فمشيت مع القوم بجنازته وآنست بجماعته، فلما دلي في قبره وأعول النساء في أثره، خنقتني العبرة واغرورقت عيناي بالدموع، فتمثلت بأبيات شعر كنت أحفظها:
فاستقدر الله خيرا وارضين به
فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء بالأحياء مغتبط
إذ صار في القبر تعفوه الأعاصير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
وذو قرابته في الحي مسرور
فبينما أنا أردد الابيات إذ برجل من القوم يقف إلى جانبي فقال: ياعبدالله، أتعرف صاحب الأبيات التي ترددها؟ قلت: لا، قال: هو الرجل الذي دفناه الساعة، وأنت الغريب الذي يبكي عليه ولا تعرفه، وذو قرابته هذا الرجل الواقف إلى جانب القبر، وهو أسر الناس بموته (وأشار إلى الرجل)، وهو قوله:
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه
وذو قرابته في الحي مسرور
والحديث يجر بعضه بعضا والدنيا تريك العجائب، ومن يعش رجبا يرى عجبا ومهما يمر بك من ملــمات فمصـيرها إلى زوال بإذن الله، ودمتم سالمين.