التجلّد أصله الجلادة، وهي احتمال الشدة والصبر على المكروه والصلابة. يقول الشاعر أبوذؤيب الهذلي:
وتجلدي للشامتين أريهم
أني لريب الدهر لا أتضعضع
والمؤمن بقضاء الله وقدره يتجلد ويتجمل عند المصائب لأنه يعلم أن الدنيا بما فيها زائلة، وأن كل ما يحدث لنا من تدبير المولى عز وجل. يقول الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر: «مازال العقلاء يظهرون التجلد عند المصائب والفقر والبلاء لئلا يتحملوا مع النوائب شماتة الأعداء - وإنها لأشد من كل نائبة - وكان فقيرهم يظهر الغنى، ومريضهم يظهر العافية».
إن المصائب والمحن التي تمر بنا إنما هي امتحان من رب العالمين، وليس لنا فيها يد وليس لنا حيلة فيها سوى الصبر، ومما يعين المبتلى على الصبر استعانته بالله تعالى، وأن يشعر بأنه في معية الله وحمايته ورعايته، ومن كان في حمى الله فلن يضام (واصبروا إن الله مع الصابرين) [ الأنفال: 46] .
ولابد أن نعرف طبيعة الحياة الدنيا، فما هي بجنة ولا دار خلود، ولكنها دار امتحان وابتلاء وتكليف، وواهم من يظن أن الحياة الدنيا مفروشة بالأزهار، وقد بين لنا الله تعالى حال الإنسان مع الحياة، فقال: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) [البلد:4]، يقول الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لكل فرحة ترحة، وما ملئ بيت فرحا إلا ملئ ترحا:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
وهذا التابعي الجليل عروة بن الزبير بن العوام مات أعز أبنائه محمد وهو في دمشق فحمد الله، وقال: كانوا سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، فلئن كنت ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت أخذت فلطالما أعطيت، ثم أصيبت رجله بالأكلة فعرض عليه الأطباء مرقدا (شرابا مخدرا ليغيب عقله) فرفض وقال: اقطعوها وأنا في صلاتي، فقطعوها، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وتركت ثلاثة، ولئن كنت أخذت فقد أبقيت، ثم قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، ودمتم سالمين.