هذا القول نظير القول الآخر «إذا جاء الحين حارت العين»، وله قصة، فقد روى أن ابن عباس رضي الله عنه كان يفسر ذات يوم قصة النبي سليمان عليه السلام في القرآن الكريم، فتحدث عن الهدهد واستطاعته طلب الماء والكشف عن تواجده تحت الأرض، فاستغرب قوله نافع بن الأزرق الحروري وسأله: كيف يبصر الهدهد الماء تحت الأرض؟ فقال ابن عباس: لأن الأرض للهدهد تكون مثل الزجاجة يرى باطنها من ظاهرها، فقال ابن الأزرق: إذا كان كذلك فكيف لا يبصر الفخ حتى يقع في عنقه؟ فقال ابن عباس: إذا جاء القدر عمى البصر، وهذا القول مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفع حذر من قدر» وهي من سنن المولى عز وجل الكونية، فالمرء طالب والقضاء غالب، فإذا انقضت المدة لم تنفع العدة.
روى ابن خلكان أن الخليفة العاضد رأى في منامه أواخر دولته قبل سقوطها بقليل ان عقربا خرجت اليه من مسجد يعرفه فلدغته، فلما استيقظ ارتاع لذلك، فطلب من يعبر له الرؤية وقص عليهم المنام، فقالوا له: ينالك مكروه من شخص مقيم في المسجد الذي رأيته، فطلب والي مصر، وقال له: اكشف لي عمن هو مقيم في المسجد الفلاني، فإن رأيت فيه أحد فأحضره عندي، فمضى الوالي إلى المسجد فرأى فيه رجلا صوفيا، فأخذه ودخل به على العاضد، فسأله من أين هو ومتى قدم إلى مصر وفي أي شيء قدم، وهو يجاوبه عن كل سؤال، فلما ظهر للعاضد ضعف حاله وعجزه عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئا وقال له: ادع لنا يا شيخ، ولما سيطر صلاح الدين على مقاليد الأمور في مصر وقبض على العاضد استفتى الفقهاء في قتله فأفتوه بجواز ذلك وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ الصوفي المقيم في المسجد وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني، فسبحان الله، إذا جاء القدر عمى البصر، ودمتم سالمين.