التعليم في وطني، كائن مظلوم مهموم مطرود من دائرة الاهتمام، لا تمارس بحقه جريمة واحدة فقط إنما هي جرائم تتالى، هل أصفه بـ «أضحوكة» أو «ألعوبة» أو جسد متمدد على فراش الموت يتم إنعاشه مرة وصعقه أخرى لحين إصدار شهادة وفاته؟!
«التربية» أضاعت فرصة شهور الراحة الكورونية، وصبت اهتمامها على مناكفة بعض النواب في قضية إنهاء العام الدراسي لأجل تكسب انتخابي، وليتنا سمعناهم يسألون الوزير عن رؤيته إزاء التعليم عن بعد ومستقبل الأجيال؟ لقد كان إعلان معالي الوزير الحربي حصيلة تلك الجهود المضنية لوكلائه ومستشاريه!
«كورونا» الكاشفة جعلتنا مجبرين على الانخراط في التعليم الرقمي، لكن الشهور الـ 5 الذهبية للأزمة مرت ولم نشهد تأسيس بنية تكنولوجية تعليمية تفي باحتياجات العصر، كيف لنا أن نبدأ التعليم عن بعد دون تأهيل المجتمع لهذه الخطوة الطارئة، ودون محو الأمية الإلكترونية بين الطلبة والمدرسين، من الذي سيسير هذه السفينة؟
ماذا قدمتم يا وزارة التربية أين الحلول والخطط البديلة، هل تابعتم إنجازات دول متقدمة في التعليم عن بعد لها تاريخ مثل أميركا وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة واليابان، هل فكرتم في تطوير المناهج التعليمية وحذف الحشو منها؟ هل تواصلون الليل بالنهار وتسابقون الزمن لأجل الخروج بحلول واقعية؟
هل تعملون معالي الوزير بمنأى عن جمعية المعلمين الكويتية، بعض أسلافك كانوا يتجاهلون خبرات الجمعية الكبيرة؟ أليس من الضروري بمكان التنسيق معهم حول التعليم أون لاين؟ لا عيب ولا عار لو تمت الاستفادة من خبرات جمعية المعلمين التي كانت تضع اقتراحات لا أذن تصغي لها وحلولا لا يؤبه بها.
كورونا لا ندري متى ينتهي، وكأني بالأزمة تدق آخر مسمار في نعش النظام التقليدي للتعليم، فهل هيأنا أنفسنا للمستجدات التي فرضت نفسها، لماذا نجد في بعض الدول جامعات بإمكانيات اكبر من إمكانيات دول بعينها، وأين إمكانيات دولة غنية مثل الكويت من هذا الميدان؟
الولايات المتحدة الأميركية رائدة العالم في التعليم عن بعد لديها مئات الجامعات الافتراضية وبعدها كوريا الجنوبية وماليزيا، هناك جامعات للتعليم عن بعد نشأت في أوائل السبعينيات من القرن العشرين ومنذ ذاك الزمن نسمع بما يسمى بعولمة التعليم العالي.
نحن اليوم نعيش أزمة نحتاج إلى عقول جبارة تستوعب الأزمة التعليمية وتحتويها وتسعى لإنشاء بنية تكنولوجية رقمية للتعليم، سنعيش تحديا في إنتاج المواد التعليمية الافتراضية وأبحاثها، سنفتقر إلى من يضع أدبيات التعليم عن بعد وأخلاقيات المؤسسات التعليمية الافتراضية.
بعد كل هذا السرد المؤلم، سأقدم هدية لوزارة التربية بأن يكون شعار المرحلة المقبلة «المدرسة الواحدة والعلم للجميع» والتي تبدأ باستقطاب معلم الفصل الرقمي بقدرات علمية وتربوية عالية جدا، ولتتساوى فرص التعليم الذكي بين سائر طبقات وشرائح المجتمع فالفصل الرقمي يتسع لعشرات الآلاف وتكون فيه مجموعات تفاعلية صغيرة، وتوزيع مناسب للوقت واستخدام تقنية «فيديو كونفرنس» أو المحاضرات المباشرة وفتح الباب للتفاعل والأسئلة.
معالي الوزير، لا تأخذوا بعين الاعتبار توحش أصحاب المدارس الخاصة وتخوفهم من فوات الملايين التي تجمع من جيوب أولياء الأمور في ظل ضعف المردود العلمي والمخرجات التعليمية الهشة، فكروا فقط في مصلحة الطالب وتوفير أجهزة تنسق مع الخطة التطويرية، أطلقوا المبادرات الرقمية واحتضنوا كبرى الشركات التقنية وتعاونوا مع شركات مثل جوجل وأخواتها ليست بكثير على دولة مثل الكويت وخلكم من الترشيد في هذا الميدان.
٭ آخر الكلام: قبل أيام خرجت وزارة التربية علينا بخبر «مطنطن» مفاده أن تكلفة منصة التعليم عن بعد لم تزد عن 400 دينار فقط؟ نعم 1300 دولار لا غير، إنجاز عظيم لإنشاء بنية تكنولوجية للتعليم في دولة نفطية غنية، ما لبثت المنصة أن أعلنت فشلها قبل ولادتها.
تحديات كثيرة أمام وزارة التربية ولعل ما ذكرته غيض من فيض وهو من مسؤوليات الوزارة، التي إن لم تنجح في هذا التحدي فإن مستقبل الأجيال على المحك وهو أخطر من الانهيار الاقتصادي فاستيقظوا من سباتكم قبل أن تجدوا أنفسكم في ذيل القائمة ولا ينفع يومها الندم.