التخبط الحكومي في فتح الملاحة الجوية أمام المسافرين وحركة البضائع خلال الأيام الأخيرة طفا على السطح وتجاوز كل الحدود وكسر الأسقف، وصرنا نتراقص على إيقاع القرارات المحيرة، وكأن جلودنا تلسع بالماء البارد تارة فالساخن تارة أخرى.
أزمة ثقة نعيشها جميعا إزاء ذلك، ونشعر بالصدمة إزاء إقدام الحكومة ووزارات الدولة الموقرة على الاقتراب من حفرة الخطأ الأول والعودة إلى نقطة الصفر والتي بدأت عندما فتح مطارنا أحضانه للطائرات المحملة بعدوى الوباء المستورد من دول كإيران ومصر وغيرهما، وها نحن اليوم أمام نفس السيناريو الذي كان على وشك أن يتكرر لولا تحركات النواب وقرار وزير الخارجية الأخير وتندر وسائل التواصل الاجتماعي.
عودة الملاحة الجوية في غاية الضرورة والأهمية كي تنبض الحياة من جديد، لكن في ظل التعجل إزاء بعض الدول وفتح المجال أمام الطيران التجاري وشحن البضائع مجددا منها بتنا مجددا لا نأمن على أنفسنا الخروج من المنزل وتقبل أي منتج مسته الأيادي خارج بلادنا.
الحكومة أدركت في اللحظات الأخيرة أن هناك خطأ ما، وأن الدول التي فتح لها المجال الجوي مازالت تحمل معدلات إصابة مرعبة، حتى قرار فرض الـ PCR ليس آمنا بما يكفى عندما نعلم أن تزوير شهادة جامعية في بعض تلك الدول أسهل من شربة ماء، فما الذي يضمن لنا أن يحصل المسافر إلى وطننا على شهادة PCR مزورة أو مشتراة، لاسيما وأن عددا من الدول المحظورة أول من أمس لديها تاريخ وباع طويل وسمعة «صيتة» في تزوير الشهادات والوثائق الرسمية، وآخر فصول ذلك الشهادات الجامعية المزورة لأطباء ومعلمين وغيرهم.
كل الجهود التي بذلت خلال 4 أشهر ستذهب أدراج الرياح إذا استمرت وزاراتنا بعقلية الاستهتار وعدم أخذ الأمور بمحمل الجد، فالشعب الكويتي كله مستاء ومتألم لما يسمعه ويراه من إجراءات تتعلق بفتح الأبواب للمسافرين من دول موبوءة والاستيراد منها دون وضع آلية لاستقبال البضائع وفحصها والتأكد من سلامتها أسوة بالدول الأخرى التي وضعت آليات لاستقبال البضائع وحظرت الدول الموبوءة، وأتساءل: هل ما زلنا في عقلية المجاملة على حساب المواطن والوطن والحياة؟، هل باتت حياة الكويتي رخيصة إلى هذا الحد حتى نسمح بالطيران التجاري والملاحة الجوية من هذه الدول؟
أين رئيس مجلس الوزراء مما يجري؟ وأين نواب الأمة مما يحصل؟، أليست مسؤولية المحافظة على صحة المواطن أمن وطني وقومي، أم هناك من يريد أن يعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد ويستنزف الطاقات ويستهلك القدرات البشرية الأمنية والصحية المستنزفة أصلا؟
يجب أن يعلم الجميع أنه لا مجاملة على حساب الكويت ولا مواطنيها ولا أمنها، ومن يفعل ذلك فهو يخون الوطن ويغرق السفينة.
نحن الآن في فصل الصيف، والحرارة مرتفعة والمواطن الكويتي لا يجد سريرا في المستشفى في حال إصابته بفيروس كورونا لوجود أعداد كبيرة من المصابين فكيف أسمح بدخول أشخاص من الخارج قد يكونون مصابين بالفيروس، ألا يحتاج هؤلاء إلى رعاية صحية؟ من الذي سيوفرها لهم؟ هل من مسؤوليتنا أن نخلص الدول الموبوءة من بعض مواطنيها المصابين بالفيروس ونقدم لهم الرعاية الصحية، ونحن نعاني في الكويت من نقص الكوادر والأسرة ولا نجد لمواطنينا أماكن للاستشفاء؟
التخبط الحكومي بلغ ذروته، والجميع مستاء من هذا النهج غير المستقيم، والعودة إلى الحظر الكلي والجزئي لن تكون بعيدة إذا استمررنا بهذا الطريق، كل شيء يعاني في الكويت لا توجد رؤية تنموية ولا اقتصادية ولا تعليمية ولا خدمية، فإلى أين نسير؟ هل سنبقى على هذا الحال ولدينا كل الإمكانات التي تؤهلنا للعب دور محوري في المنطقة والعيش برفاهية وأمان وسلام دون مجاملة لأحد على حساب الكويت؟
كلمة أخيرة: الوطن وأمنه الصحي مسؤولية الحكومة ومجلس الأمة، وإذا كان هناك من فشل فإن هاتين الجهتين تتحملان المسؤولية، وتجب المحاسبة وعدم التهاون، فالعودة إلى نقطة الصفر تعني دمارا اقتصاديا واجتماعيا وإيقافا للدورة التنموية وإزهاقا للحياة، فقد مللنا مما يجري وضاقت الأرض ذرعا بهذا الإجراءات غير المدروسة والقرارات غير الصائبة.