بعد أكثر من 15 شهرا من القتل والتدمير والتشريد نجحت جهود الوساطة التي قادتها دول عربية والولايات المتحدة الأميركية في وقف حرب الإبادة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة الذي ذاق الويلات والخراب والتجويع وما لبثت دماؤه تجف ويبدأ في جمع أشلاء شهدائه من الشوارع والطرقات ومن تحت الأنقاض والحطام حتى تجددت دعوات قديمة تنادي بتهجيره من وطنه ونقله إلى دول أخرى، وكأن هؤلاء الذين يدعون إلى ذلك لم يشاهدوا طوفان الرجوع الكبير للسكان إلى بيوتهم المدمرة في شمال غزة ومدى تمسكهم بتراب وطنهم وأنهم يفضلون الموت بين الركام والقنابل التي خلفتها الحرب عن العيش في فنادق خمس نجوم أو الريفييرا التي يروج لها البعض ويتوهم بأن هؤلاء المساكين والمنكوبين والمغلوبين على أمرهم سيسارعون إليها أفواجا.
وفي الحقيقة أن الحديث عن تهجير الفلسطينيين من وطنهم في غزة هو موضوع عبثي وغير منطقي وعنصري ولا يمكن السماح به أو قبوله، وهذا ما لمسناه من ردود الفعل السريعة والغاضبة والرافضة لمثل هذه الدعوات الجنونية ليس من أهل غزة ومن مصر والأردن اللتين يتم الضغط عليهما لقبول ترحيل أهالي القطاع اليهما، وليس من العرب والمسلمين فحسب وإنما من الكثير من الدول الأوروبية والغربية ومن الشرفاء في العالم كله الذين يؤمنون بحق الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم وفي تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم، ويدركون أنه لا يمكن تهجيرهم أو اقتلاعهم من جذورهم، وأن إعادة إعمار قطاع غزة يمكن أن تتم بوجودهم وبأيديهم وعلى أكتافهم مع ضمان العمل على تحقيق سلام شامل حتى لا تتكرر هذه المأساة مرة ثانية وحتى يتمكن من تبقى من سكان غزة من العيش حياة هادئة كريمة.
ولمواجهة الدعوات العنصرية والنازية التي تطالب بتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم يجب أن يسارع الفرقاء في فلسطين الشقيقة إلى الوحدة الداخلية بينهم وأن ينهوا سنوات التمزق والتشتت، فالاحتلال يعربد ويقتل ويستوطن في كل مكان في غزة والضفة الغربية، والانقسام بين الفلسطينيين لم يعد مقبولا في ظل هذه المخططات التي تعمل على تهجيرهم من وطنهم وتصفيه قضيتهم إلى الأبد، لذا يجب أن تكون هناك وحدة صف وجهة موحدة تحت راية علم فلسطين تتحدث بلسانهم وتقطع الطريق أمام من يحاولون إنهاء وجودهم واقتلاعهم من وطنهم التاريخي، كذلك نحتاج إلى وحدة عربية وإسلامية حقيقية، لأن ذلك لو حدث سيكون للعرب والمسلمين اليد العليا وسيكون بإمكانهم مواجهة كل المخططات والمؤمرات التي تحاك ضدهم وتعمل على تدمير أوطانهم وتقسيمها والاستيلاء عليها ونشر الفرقة والفتن بين شعوبها واشعال الصراعات والحروب.
وفي ظل حديثنا عن مواقف الدول الرافضة لدعوات تهجير أهل غزة يجب أن نشيد بموقف الكويت المشرف حيث سارعت إلى إصدار بيان جددت فيه موقفها المبدئي الثابت في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مع رفضها القاطع لسياسات الاستيطان الإسرائيلي وضم الأراضي وتهجير الشعب الفلسطيني الشقيق من أرضه لما تشكله تلك الخطوات من انتهاك صارخ للقانون الدولي وتهديد لأمن واستقرار المنطقة. كما أنها دعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. أضف إلى ذلك موقفها التاريخي الثابت أيضا من دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي أكدت عليه مرارا وتكرارا بأنها ستكون أخر دولة تقيم علاقات مع إسرائيل في حالة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة وإقامة دولته على أرضه التاريخية.
[email protected]