سمعتها من إيراني، في العقد الأخير من القرن الماضي سمحت لي الظروف بأن أكون شاهد عيان على إحدى المحاكمات الغريبة والطريفة، وتدور أحداث القصة حول أحد الإخوة الإيرانيين الذي كان يمتلك بقالة بمدينة الكويت، قام بالتعدي على الطريق العام مخالفا للقانون، فما كان من السلطات المختصة إلا أن قامت بإزالة المخالفة وإنذار صاحب البقالة بعدم تكرار التعدي مرة أخرى، لكنه عاد إلى تكرار فعلته والتعدي على حرمة الطريق، فكانت النتيجة الطبيعية أن قامت السلطات بتحرير محضر وتحويل الواقعة إلى النيابة، ومن ثم جاء يوم النطق بالحكم الذي شاءت الظروف أن أكون حاضرا وشاهدا عليه، وجاء الحكم بتوقيع الغرامة على الأخ الإيراني صاحب البقالة، فما كان منه إلا أنه استنكر الحكم بالغرامة الذي صدر من قاضي المحكمة قائلا: «ليش حضرة قاضي، أنا أيش سويت»، فأجابه القاضي: «لقد أنذرتك البلدية كجهة مختصة بعدم تكرار المخالفة، فلماذا قمت بتكرار التعدي ومخالفة القانون» فرد صاحب البقالة قائلا: «صلي على النبي، هذي كويت حضرة قاضي، سبت.. قانون جديد، خميس.. يغير قانون».
لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أتذكر هذه الكلمات التي قالها صاحب البقالة منذ أكثر من 30 عاما، خاصة وأنا أتعرض للعديد من المواقف المشابهة في قضيتي التي مازالت منذ أكثر من 7 سنوات تترنح بين دفاعنا ودفاعهم، فهل تسير الأمور هكذا ؟ وهل كان الأخ الإيراني أكثر حنكة وقراءة للأمور ومعرفة بسرعة تبدل وتغير القوانين في المصالح العامة؟!
إن كان الإيراني عالما بذلك الأمر وبكل هذه الثقة فتلك مصيبة والمصيبة الأكبر أن يكون هذا هو الانطباع العام والمنتشر بين المواطنين والوافدين في بلد من البلاد التي لها قدرها ومكانتها في إحقاق العدالة وتطبيق القانون، فأي قانون الذي يطبق إن لم يكن القانون ثابتا من الأساس!
نعم، هناك العديد من القوانين التي عفى عليها الزمن وتحتاج إلى تغيير فوري وضروري لإنقاذ مصالح الناس وتحقيق العدالة الناجزة، وهو بالضبط ما أعنيه، فكيف لي أن أرتاح وأنا أرى الحق يطول والصراع يكبر والظلم يتمكن، لقد تعبنا يا سادة من الجلسات والتحقيقات والمناداة، نعم تعبنا ونطالب بمحاكمات عاجلة وسريعة لأن الظالم هو من يحتاج للأمور أن تطول، أما المظلوم فيقول: «أنقذونا من ظلم بطء العدالة»، ومن خلال البعدين السابقين تتضح معالم المشكلة ما بين قرارات وقوانين تتغير ما بين ليلة وضحاها وتتغير معها مصالح الناس وترتيباتهم، وما بين قوانين أكل عليها الدهر وشرب وباتت بحاجة ماسة إلى تعديل وتغيير قانوني حتى توفر للناس الحماية والأمان لهم ولمصالحهم، وهو ما يعيدنا إلى السؤال، هل صدق الإيراني؟!
أرجوحة أخيرة: والله والله والله، كل صديق يقابلني يسألني هل انتهت قضيتك؟ فأرد لا، مازالت بين دفاعنا ودفاعهم على الرغم من أنني كنت خارج البلاد وقت الواقعة، وتقرير الأدلة الجنائية في صالحي والشخص معترف، فأرى الغرباء على وجه الأصدقاء فألطمهم وراتبي مازال محجوزا عليه رغم حكم محكمة التميز بوقف النفاذ! فهل من إجابة أرد بها على أصدقائي؟