أخاطبك وأنت غائب فقد تهيبت كثيرا منك وأنت حاضر، فأمام صدقك كانت تغيب الكلمات وأمام وفائك كان الصمت أكمل وأجمل وأكثر مدعاة للاحترام في حضرة رجل كبير وشهم تغير الزمان وهو لم يتغير فظل على صدقه وفيا للذكريات متعلما متواريا مترفعا عما كان وعما سيكون.
ولست أعرف من أين ابدأ وكيف أبدأ وأين سأنتهي ولا أعلم هل سأكتب مقالي عنك بمشاعر الابن تجاه أبيه أم بمشاعر الإنسان المعجب بشخصية جمعت كل الصفات الحميدة التي قلما تجتمع في إنسان؟ لكن الأكثر حضورا هذه اللحظة هو أن رحيلك مبك وفقدانك محزن لكل من عرفك عن قرب فما بالك بمن فتح عينيه على ابتسامتك الجميلة المليئة بالوفاء والطيبة والحنان؟!
لقد عرفتك يا عمي عبدالله الرشيد قبل ان أعرف د.عبدالله الرشيد استشاري الأطفال الشهير الذي أسس طب الأطفال بالكويت والذي عالجني وأنا طفل ثم دار الزمان ليعالج طفلتي ثم ظل يهتم بصحتي وأنا رجل يقترب الشيب مني وهو مسن مريض ومقعد.
عرفتك صديقا مخلصا وأخا وفيا لوالدي- شفاه الله- وكنت تجسد أسمى معنى للصداقة والأخوة فأحببناك كأسرة كاملة من حب والدي لك ورأيناك تحبنا من حبك لوالدنا ولم نر فيك ومنك إلا الصفات الجميلة التي أصبحت نادرة في زمن المصلحة والنفاق.
في حياتك كثير من المواقف القومية المشرفة مع رفيق النضال الشهيد فهد الأحمد لا تعد ولا تحصى، أما مواقفك الإنسانية فلعمري لم أر رجلا يحرص على مساعدة الناس كما كنت ولتعذرني الآن أن أقول في غيابك فقد شهدناك عونا لكل محتاج وسندا لكل ضعيف.
كنت مؤمنا كل الإيمان بمقولة «من نعم الله عليك حاجة الناس إليك» وجعلت منها عنوانا لمكتبك في مستشفى الأطفال في منطقة الصباح الصحية وحرصت كل الحرص على نقلها لأبنائك فها هم يردون اليوم بعد رحيلك الوعد لك بالتمسك بذات المقولة التي آمنت بها أيها الفقيد العزيز طوال حياتك.
رحلت وتركت لنا سيرة عطرة نستذكرها كلما خذلنا الزمان بأشباه الرجال ورحلت وتركت خلفك أبناء بررة كانوا أبرارا بوالديهم كما ربيتهم.
رحلت وتركت لنا روحك الطيبة وابتسامتك الجميلة نراها كل ما اشتقنا إليك.
أبكانا رحيلك بقلوبنا قبل أعيننا لأننا فقدنا الأب والعم والأخ وفقدنا الوفاء والإخلاص وفقدنا الطيبة والحنان.
باختصار كان د.عبدالله عبدالعزيز الرشيد شخصية استثنائية لا تتكرر ومهما كتبت عنه ومهما قلت في شخصه الكريم فلن أوفيه حقه فمثله تعجز أمامه الكلمات خجلا من التقصير.
اتصلت به في أحد الأيام للسلام والسؤال عن حاله، ويومها كنت أسعل بشدة فسألني عما بي فأخبرته بأنني أعاني من مشكلة صحية بصدري وانتهت المكالمة بيننا فإذا به في اليوم التالي يحضر الى منزلنا ومعه علبة دواء وهو المريض المقعد، يومها لم أتمالك دمعة غرقت بها عيني اعتزازا برجل قل نظراؤه.
كان يفرح باتصالي وتسعده زيارتي له كنت أرى في عينيه وهو صامت الكثير من الكلام وحتى يظل محفورا بالذاكرة كل الوقت فقد حرمتني الظروف من زيارته بالمستشفى قبل رحيله، حيث ألم بي التهاب شديد في صدري وخشيت أن أزوره وأنقل له العدوى ثم تبعه فيروس في عيني جعلني أؤجل زيارته مرة أخرى، والخميس قررت أن أزوره الجمعة ولكن أجل الله سبحانه كان أسرع ووصلتني رسالة ابنه عبدالعزيز معلنا وفاته لأظل أشعر بألم شديد وغصة في القلب وتأنيب في الضمير لأني لم استطع زيارته فأراه لأقبل رأسه وأودعه قبل وفاته- رحمه الله.
رحمك الله يا أبا عبدالعزيز وأسكنك فسيح جناته وألهم أسرتك الكريمة ومحبيك الصبر والسلوان على رحيلك.
نقطة أخيرة: أتمنى من الحكومة أن تخلد اسم العم د.عبدالله عبدالعزيز الرشيد من خلال تسمية شارع باسمه أو مرفقا صحيا، فأمثاله يستحقون ولا يجوز أن تنساهم الدولة لأن الدول العريقة لا تنسى روادها العظام.
[email protected]