دائم العمل والحركة، لا يتوقف ولا يسكن، ينشط بفترات معينة ويهدأ لكنه «لا يتوقف»، يحتوي على العديد من الخلايا العصبية، والأوردة الدموية، يتصل بكل أعضاء الجسم، فهو المعطي للأوامر، وهو المدبر لكل شؤونه، فالبصر والسمع والشم وحاسة التذوق تعود إليه. والحركة والرفع والخفض والإقدام والإحجام تصدر منه.
***
لا يتوقف عن التفكير ولا عن التدبير، وأنت مستيقظ أو نائم، حينما تكون مشغولا لاهيا أو مستلقيا فارغا، أثناء حديثك وكلامك أو صمتك وسكوتك.
***
كل أحاسيسك، وعواطفك، ومشاعرك تمر من خلاله وتصدر منه، فهو المنخال والميزان لها، يبقي منها ما تمسك به قلبك، ويرفض منها ما تخلى عنه قلبك.
***
العقل والمخ قرأت عنهما في أكثر من موضع، البعض يقول إنهما شيء واحد، والبعض الآخر يفرق بينهما ويعطي لكل منهم خصائص ووظائف مختلفة.
***
البعض يقول إن العقل كلمة معنوية فقط ويقصد بها القدرة على التفكير، وهي الخاصية التي يتميز بها الإنسان عن الكائنات الحية الأخرى، أما المخ فهو مفهوم مادي، فالمخ موجود داخل جمجمة الرأس البشري ويحتوي على أجزاء كجذع الدماغ والمخيخ.
***
«لا يتوقف عن..» المخ كالإسفنجة التي تمتص وتقبل كل ما يعرض عليها سواء كان مفيدا أو مضرا، نافعا أو مؤذيا، جميلا كان أو قبيحا. وبعد أن يستقر بداخله ما أدخلته فيه يبدأ العقل بتفكيكه وتمحيصه وتحليله، فهو بعمل دائم دؤوب لا يتوقف، فالقناعات تتشكل، والأفكار ترسم، والمبادئ «قد» تتغير، على حسب ما أدخل في ذهنك.
***
العقل البشري لديه قدرات رهيبة جدا، لدرجة أن أدمغتنا قد تتخاطر وتتصل مع بعضها بما يسمى «بيولوجيا التخاطر»، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة عام 1882 على يد الدكتور فريدريك مايرز. ثم قامت أبحاث أخرى بهذا المجال ففي عام 2014 قام باحثون بقيادة الطبيب النفسي كارليس غراو بالتجربة التي أثبتت أن هناك إمكانية للتواصل ونقل الأفكار بين عقل وآخر، تفصلهما مسافة 8 آلاف من الكيلومترات، فقد نقلت كلمات مثل «مرحبا» من عقل أحد المشاركين بالتجربة في الهند إلى عقل مشارك آخر في فرنسا، من دون تحدث أو كتابة.
٭ تؤخذ هذه التجربة من باب الاستئناس وليس الجزم بصحتها.
***
ولدينا بالسنة النبوية الحديث الجميل في هذا الباب، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». فقد تتآلف الأرواح وتتناكر حتى من قبل أن تكون هناك معرفة تامة وكاملة بين الطرفين. فالتعارف، أوالتآلف، قد يكون عن طريق «التخاطر»، أو تآلف العقول بالمقام الأول.
***
الحديث عن العقل والمخ جميل وممتع، لكن المكان لا يتسع لمزيد من الاسترسال، فما في الجعبة كثير والعين قد تمل كثرة المكتوب أحيانا، لذلك تم الإيجاز، لعل فيما ذكر الفائدة المنشودة والعبرة المطلوبة.
[email protected]