أفرط كثير من الناس في حب المال وأمعنوا في تعظيمه وجعلوه غاية يحثون السير إليها، بدلا من أن يكون وسيلة يرضون بها ربهم بإنفاقه في وجوه البر والإحسان.
فتجدهم يجمعون المال ولا يجدون فيه معنى الغني بل يغرقون في ذل جمعه ومهانة تعظيمه، وقديما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:
يَعِزُّ غَنِيُّ النَفسِ إِن قَلَّ مالُهُ
ويَغنى غَنِيُّ المالِ وَهوَ ذَليلُ.
فكم من غني في ماله فقير في نفسه، وكم من غني في نفسيه فقير في ماله فلا يورث تعظيم المال إلا الفقر والمهانة.
ولا تقتصر الآثار السلبية التي يخلفها تعظيم المال على الفرد فحسب بل يمتد ليشمل المجتمع والأمة فإذا عظمت الأمة الدينار والدرهم فإنما عظمت النفاق والطمع والكذب والعداوة والقسوة والاستعباد.
وبهذا تقيم الدينار والدراهم حدودا فاصلة بين أهلها، حتى لتكون المسافة بين الغني والفقير كالمسافة بين بلدين قد تباعد ما بينهما وإنما هيبة الإسلام في العزة بالنفس لا بالمال وفي بذل الحياة لا في الحرص عليها، وفي أخلاق الروح لا في أخلاق اليد.
وفي حدود الفضائل بين الناس لا في وضع حدود الدراهم، وفي إزالة النقائص من الطباع لا في إقامتها وفي تعاون صفات المؤمنين لا في تعاديها وفي اعتبار الغنى ما يعمل بالمال لا ما يجمع من المال، وفي جعل أول الثروة العقل والإرادة لا الذهب والفضة.
هذا هو الإسلام الذي غلب الأمم لأنه قبل ذلك غلب النفس والطبيعة.
إن الإسلام يزرع في نفس المؤمن تعظيم الله عز وجل وبالتالي الخضوع والاستسلام لأوامره سبحانه وتعالى، فالغني الذي عظم في نفسه حب المال وأسكرته نشوة جمعه وتكديسه معرض لخطر التخلي عن أوامر الله عز وجل مقابل طغيان المال.
يريد الإسلام الغني الشاكر لا الغني الجاحد، الغني الذي يكون عونا للأمة عند وقوع الكوارث والنكبات يواسيها بماله ما أمكن تخفيفا لألامها لا الغني الذي يستأثر بماله ويتمتع بخيراته دون أن يلتفت ولو لفتة بسيطة إلى مجتمعه وأمته فتنقطع أواصر وروابط المجتمع والأمة وتختل الموازين ويعم شيء من الفوضى والاضطراب وقد تباع الفضائل مقابل المال ويعم الكذب والغش والخداع تحت مسميات مختلفة أملا في الحصول عليه.
وصدق المولى عز وجل حيث يقول (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، فالصدقات والخيرات تطهر النفس من الرذائل وتطهر المجتمع من كل ما يشينه وتزرع فيه الفضائل.