ولا 1000 من الخطب والمقالات، ولا أضعافها من المواعظ والتذكيرات تفي بالصلاة حقها ومستحقها، وتحذر من التقصير فيها، والتهاون بشأنها، وهذه المقالة الثالثة والأخيرة لي في هذا الباب، أختتمه بها راجيا من الله أن تبقى لي أثرا حسنا، وذكرى نافعة من عبد مقصر يرجو عفو ربه ورحمته، وثوابه وجنته، ويحب الخير للغير.
وفي هذه القلة القليلة من الكلمات، لا يسعني إلا أن أضع بين يدي قرائي الأعزاء من الأمهات والآباء بعضا من السبل الكفيلة بزرع قيمة الصلاة في أبنائهم وبناتهم، ورأس ذلك كله، الإخلاص لله، واحتساب الأجر عند الله، فهو الذي يهدينا للتحايل على الشيطان الرابض لأولادنا، باقتدار وهمة، وتعاهد ومصابرة، لا تعرف اليأس من تقصيرهم، ولا الإحباط من تكاسلهم، فهذا ما يبتغيه قرين السوء منهم، ليفسح الطريق لهم للتمرد عليك، ووضعك في خانة التسليم بواقع لا يرضاه الله.
حري بك أيها الوالد الكريم أن تغرس فيهم مراقبة الله، ليؤدوا الصلاة حبا لله وخوفا من الله، وحذرا من ناره، وطمعا في جنته، لا استرضاء لك، ولا استحياء منك، ومع الوقت والتعود، ستجد أن الصلاة باتت جزءا من حياتهم، وسيؤدونها في حضرتك وغيبتك.
ومن الأساليب الفعالة أن تكرس فيهم معنى الموت الذي لا يسبقه إنذار، وأنه قد يأتيهم في أي لحظة، نائمين أو يقظين، كبارا أو يافعين، وأن يضعوا حسن الخاتمة وسوء الخاتمة في حساباتهم، تكلم من قلبك، واجعلهم يرون دموعك تنهمر لأنك تخاف عليهم، فهذا يشعرهم بعظيم ما تدعوهم إليه.
علمهم أن الصلاة حق في رقبتهم، لا تسقط عن أحد في خوف ولا حرب، ولا مرض ولا عجز، ثم حببهم بدين الله الذي يسر الصلاة على الجميع.
تأكد أيها الوالد المحب أن كلا من التشجيع والهدية، والاحتضان والقبلة، والكلمة اللطيفة قد يكون أكثر وقعا من توجيه الأوامر الجافة والقاسية، وفي المقابل، فإن للحرمان والترهيب في بعض الأحيان تأثيرا هو الآخر.
لتكن أنت وزوجتك ميزانا بين الترغيب والترهيب، وليعرفوا فيكم أيها الآباء والأمهات أنكم قد تتساهلون في كل شيء إلا في الصلاة والحلال والحرام، ففي ذلك أظهروا لهم هيبة الأمر والغضب لله.
لا بأس أن تربط بين تنفيذ طلباتهم والتزامهم بالصلاة، وإذا نصحت ابنك أو ابنتك، فليكن ذلك في جلسة منفردة، وكأن الخطب جلل، والمسألة عظيمة، فالصلاة هي الشعرة بين الكفر والإيمان.
ذكر أولادك بالصلاة في كل وقت، فقد يلهون عنها، إذا لم نذكرهم بها دائما، اصطحب أطفالك إلى المسجد، وليكن بينك وبين جيرانك تناوبا على مرافقة الأبناء للجماعات، سواء حضر آباؤهم أم غابوا، واجعلوهم على احتكاك مع أبناء المسجد وأصحاب الطاعات، ونظموا لهم اللقاءات والرحلات، حفزوهم على الاستقامة، وشجعوهم بالجوائز، فهذا والله ربح لا خسران فيه.
تواصلوا مع إدارات مدارسهم ومعلميهم، ليحثوهم على الصلوات والجماعات، فهذه التزكية أهم من كل تربية، وهذه رسالة المعلم المقدسة لبناء الأجيال والأمم.
لكل من يرهقه أبناؤه عند إيقاظهم للفجر، لاطفوهم بالكلام، أخبروهم بخبر سار، حتى يطير النوم من عيونهم، امسحوا على وجوههم ورؤوسهم بمسحة حانية، قفوا على رؤوسهم وادعوا لهم واقرؤوا ما تيسر من القرآن بكل خشوع وإخلاص، أشعلوا الأنوار، وأطفئوا التكييف، ضعوا في غرفهم منبه الأذان، ولا تمانعوا إن طلبوا منكم إمهالهم دقائق بسيطة، لا تتركوهم، بل عاودوا إيقاظهم بتكرار وإلحاح، ولا يصدنكم عنادهم، أو انزعاجهم، فهذا من الابتلاء، ولابد فيه من الصبر، فلا أعظم مما تنشدونه فيهم من ثباتهم على الصلاة ووضعهم على الصراط الصحيح.
اجعلوا في البيوت أجواء مواتية لحب الصلاة والتذكير بها، مثل تخصيص ركن وتجهيزه للصلاة، وتعليق لوحات عن أحكام الصلاة وما لها من ثواب وما يترتب على تركها من عقاب، واستعراض مقاطع فيديو عن الصلاة.
حثوهم على أن تكون الصلاة لهم أهم صديق وأعظم جليس، علموهم أن يقضوا ألذ أوقات عمرهم في السجود بين يدي الله، وذكروهم بنعمة اصطفائهم من كل العالمين بالإسلام والتوحيد، والصحة والعافية، فكيف نستقل في حق لله أن نصلي له 5 صلوات في اليوم، لا يستغرق مجموعها أكثر من 50 دقيقة في 24 ساعة، فهل بعد هذا البخل من بخل؟ وهل بعد هذا الجحود من جحود؟ وهل بعد هذا الشقاء من شقاء؟
في الختام: يا أرباب البيوت، قصوا على أولادكم قصصا عن أناس تعرفونهم ويعرفونهم هجروا الصلاة فتعثرت حياتهم، وتهاونوا فيها فانتكست سلوكياتهم، وتكاسلوا عنها فتراجعت أخلاقهم، وخيمت الظلمة والشحوب في وجوههم.
ولا يلقي أحد الوالدين بالمسؤولية على الآخر، فكلنا مسؤولون يوم القيامة، عن هذه الأمانة، فلا تضيعوها، بل تعاونوا فيها، واجعلوها مشروع فلاح أبنائكم وفلاحكم فبذلك تصنعون أبناء صالحين لأنفسهم، يقرون عيونكم في حياتكم، وينفعونكم بالدعاء بعد مماتكم، بعد أن تنقطع عنكم أعمالكم، والله الموفق.
[email protected]