عادة ما أتردد في الموافقة على تنفيذ مشروع بحثي كمي استطلاعي على النقيض من فريقي الذين غالبا ما يكونون أكثر حماسة مني، لأن هذا النوع من البحوث يتطلب عملا جماعيا وجهدا متنوعا يشمل مراحل عديدة في بناء الاستمارات وجمع البيانات وضمان ثقة نسبة الاستجابة احصائيا ومنطقيا وغيرها من التحديات التي لا أراها في كتابة مقال أو تقديم دورة أو إعداد بحث كيفي الذي قد لا يتطلب مني سوى جهد شخصي حتى أكمله دون الحاجة لانتظار بيانات أو مساعدة أحد ولا قلق ومعاناة في التنظيم وضبط الجودة، ومن ثم الانتظار بفارغ الصبر لتسلم رسالة بأنه تم اعتماد النتائج النهائية والتقرير!
ولذا تدرك بعض الجهات التي تطلب هذا النوع من البحوث متطلبات وتكلفة بحوث الرأي العام وتنفق بسخاء وتختار بعناية من يقوم بتنفيذ هذه البحوث والمسوحات لها، كما تدرك بعض الجامعات العريقة أهمية هذا النوع من البحوث فتسعى لتوفير متطلباتها وميزانيتها لطلابها وأساتذتها كما يقوم بذلك معهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية المسحية SESRI في جامعة قطر، مما يطلق عليه العيادة المسحية! كما سعدت بالمشاركة في تجربة مركز جامعة برنستون للبحوث الاستطلاعية (Princeton Survey Research Center) التابع لكلية الشؤون العامة والدولية (SPIA).
يقدم المركز في برنستون دعما شاملا لطلاب المراحل الدراسية المختلفة، سواء كانوا في مرحلة البكالوريوس أو الدراسات العليا، من خلال خدماته المتنوعة والمقدمة مجانا على نفقة الجامعة منذ عام 1992 بتوفير قواعد بيانات استطلاعية سابقة للدراسات البحثية، وتقديم الاستشارات حول ملاءمة الاستطلاعات للدراسات البحثية، وبناء الاستمارات والإرشاد حول صياغة الأسئلة وتنسيقها وتخطيطها وتصميم الاستمارة، والمساعدة في تطوير عينة الاستطلاع، والتمهيد للاستطلاع ومن ثم إطلاقه وجمع البيانات وزيادة معدل المشاركة، والتحليل الإحصائي للبيانات واستخراج النتائج!
تبدو هذه الخدمات نوعية وذات قيمة كبيرة، لأن البحوث الاستطلاعية بطبيعتها تحتاج إلى مساعدة في مراحلها المختلفة، خاصة بالنسبة للطلبة، وإقناعهم بضرورة العمل الجماعي، ولذا يقوم مركز البحوث الاستطلاعية بتشجيع الطلبة على التفاعل والاستفادة من الخدمات المقدمة لهم بمختلف الطرق، منها «يوم مفتوح» حيث يتم استقبال الطلبة بمختلف مراحلهم وتقديم الاستشارات بما ذكرت سابقا وحول كيفية الامتثال للمعايير والتوجيهات الأخلاقية المتعلقة بالبحوث!
من ناحية أخرى، فإن البحوث الاستطلاعية عمل جماعي، ومن مصلحته ألا يقتصر على عقل وفكر واحد، فاجتماع العقول الذي تتيحه الاستشارات والنصائح والإرشادات والخبرات الطويلة التي يقدمها المركز ستقلل من الأخطاء والعثرات، وحتى لا يضطر أحد للغش وتقديم بيانات مزيفة للحصول على الدرجة أو الترقية!
[email protected]