[email protected]
استحضرتُ للوهلة الأولى، حينما التقيت الإعلامي ابن غزة معتز العزايزة، عشرات المقاطع خلال ثوان، وهو تارة يركض هاربا من القصف الإسرائيلي، وتارة أخرى يبحث عن شبكة إنترنت لينقل معاناة أهلنا في غزة والمجازر التي ترتكب بحقهم في بث حي ومباشر! لا يمكن أن ترى معتز دون أن ترى المجازر والإبادة في عينيه وشخصيته، لذا أجبرت نفسي على الابتسام في صورتنا معتذرا، رغم أنه ربما أرغم نفسه على الابتسامة أكثر مني!
منذ بدء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، كان معتز من بين أصوات قليلة ناطقة بالإنجليزية ممن يفضحون في تقاريرهم المباشرة جرائم الاحتلال على سكان القطاع المنكوب وقد كان هو أحد ضحاياه، حين فقد العشرات من عائلته مرة واحدة!
في ظل تواطؤ بعض شبكات التواصل الاجتماعي تم تقييد حسابه بسبب محتواه المناصر لفلسطين كما حدث لكثيرين! وبعد 108 أيام من توثيق الجرائم الإسرائيلية، تم إجلاؤه إلى مصر ثم إلى الدوحة، وهو الآن يجوب العديد من الدول ناقلا معاناة غزة حتى في الدول التي قد تضيق عليه في ذلك بسبب دعم سياساتها مجازر إسرائيل في غزة.
ما يهمني في شخصية «العزايزة» ليس التأثير الذي أحدثه لأشهر طويلة تحت القصف، ولا الجوائز التي يحصل عليها في بعض الدول ولا الملايين من متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي ولا الملايين التي جمعها لأهل غزة عن طريق منظمات إنسانية رغم أهمية كل ذلك، وإنما يهمني ما ينقله من معاناة غزة مع وجهة نظر تستحق أن تسمع، حتى لو أغضبت الكثيرين من أصدقائه وأصدقائي، أو انتقدت بالتلميح أو التصريح فصيلا أو جماعة. إذ إن فظاعة المصاب والدماء التي تسيل تستحق أن نلتفت إليها مع صرخاتهم!
كثيرا ما أقرأ في منشورات معتز أنه ينقل معاناة نسبة كبيرة (لا استطيع الادعاء بدقتها) من أهل غزة، ولكني استطيع القول بكل ثقة إنه لو أجري استطلاع للرأي بين أهل غزة وسئلوا عن خيار «بقاء المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية في سجون إسرائيل»، وقيام المقاومة بإطلاق سراح كل الرهائن والأسرى الإسرائيليين مقابل وقف إطلاق النار، فإن الأغلبية ستقول: «نعم، لنوقف النار، ونقبل بالتسوية»، و«أن بند أسرى فلسطين في الضفة لا يستحق أن يكون بهذا الحجم والمحورية في مفاوضات إطلاق الأسرى مقارنة بمطلب أهم برفع الحصار مثلا».
أرى أن على المقاومة أن تستمع لأصوات إنسانية من غير أولئك الذين يتحدثون فقط عن خسائر إسرائيل المادية والمعنوية، برغم سموها وأهميتها في تحرر الشعوب والدول كأصوات «الدويري»، لكنها ليست كافية وحدها في ظل واقع ظالم ومعادلة قوى غير متوزانة وتخاذل القريب ونفاق الصديق!