تعتبر التركيبة السكانية أحد أهم المؤشرات التي يجب مراقبتها باستمرار في ظل التحديات والمتغيرات، حيث تأخذ التركيبة السكانية أهمية قصوى في تحديد مسار التنمية المستدامة للمجتمعات، وتعد دراسة ومراقبة التركيبة السكانية بشكل دائم إجراء حيويا، لضمان التوازن الديموغرافي وتوجيه الاستراتيجيات الوطنية بشكل فعال.
وتتضمن التركيبة السكانية العديد من العناصر المهمة مثل النمو السكاني، والهجرة، والتوزع العمري، ومعدلات الخصوبة والوفيات. وتوفر هذه المؤشرات معلومات قيمة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية للدولة، وتساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الموارد والتخطيط.
يتم اختزال مفهوم التركيبة السكانية في الكويت بمواطن مقابل وافد فقط، وهذا بسبب التباين بين الاثنين الذي يرى الكثير أن له تأثيرا مباشرا على رفاهية المواطنين رغم أن غالبية الوافدين من العمالة المنزلية وهم أصلا لرفاهية المواطنين، وهنا تقع المعضلة التي نعيشها.
الجدير بالذكر أن هذه المشكلة ليست وليدة اليوم بل تمت مناقشتها مرارا وتكرارا، وأفضل من ناقشها هو الراحل خلدون النقيب ود.محمد الصباح وجاسم العون في برنامج «قضايا وردود» بالتسعينيات، تجدونها في اليوتيوب. ومن خلال قراءتي لعدة تقارير من مختصين وأكاديميين أجد التركيز فقط على نسبة المواطن مقابل الوافد وإهمال الجوانب الأخرى، مما استنتج أن حتى المختصين أثر عليهم المجتمع بدلا من أن يصححوا هذه المفاهيم ويظهروا الصورة الكاملة.
ونظرا للتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى التكنولوجية، تواجه العديد من الدول تحديات ديموغرافية معقدة نتيجة للتغيرات في التركيبة السكانية، فمثلا تعاني اليابان من تراجع معدلات الإنجاب وزيادة في معدلات الشيخوخة، مما يؤدي إلى تقلص قاعدة العمال وتكاليف رعاية المسنين المتزايدة، وتسعى الحكومة اليابانية إلى التعامل مع هذه التحديات من خلال تشجيع المزيد من النساء على العمل وتحسين ظروف العمل، إضافة إلى تعزيز سياسات الهجرة لجذب المهاجرين وتوفير عمالة مؤهلة. أما الصين، فتأثرت بشكل كبير بسياسة الطفل الواحد التي تم تنفيذها في الثمانينيات والتسعينيات، مما أدى إلى تركيبة سكانية ملتوية ونقص في قوة العمل وتفاقم مشكلة الشيخوخة. وفي السنوات الأخيرة، عملت الصين على تخفيف هذه السياسة وتشجيع الأسر على إنجاب مزيد من الأطفال، وإجراء إصلاحات في قطاع التعليم والتوظيف لتلبية احتياجات المجتمع المتغيرة.
لذلك تعتبر مراقبة وتصحيح التركيبة السكانية بشكل دائم إجراء أساسيا لضمان التوازن الديموغرافي وتعزيز التنمية المستدامة، ويتطلب ذلك جهودا مشتركة من الحكومة والمجتمع بتغيير نمط الحياة المتمثل بالرفاهية إلى الاعتماد على النفس وأيضا وجود رؤية واضحة للدولة لكي تبنى عليها سياسات مستدامة.
والتركيز على المواطن مقابل وافد فقط يجعلنا غافلين عن تغييرات سكانية قد تهدد المجتمع، فهل لدينا دراسة عن معدل الشباب مقابل كبار السن؟ هل سوق العمل قادر على أن يستوعب الخريجين الجدد؟ هل هناك خطة لتشجيع الطبقة الحرفية الكويتية لكي تحل محل الوافدة؟ الكثير من الأسئلة يمكن الإجابة عنها بدراسة التركيبة السكانية بشكل يشمل جميع عناصرها التي ذكرناها والتخطيط لحلها بدلا من التفاجؤ بها وحلها بطريقة إطفاء النار «Fire Fighting».
SaqerG@