مصطلح العام 2024 «تعفن الدماغ»، لربما كان له صدى قوي على مسامع الناس، وأثرة كبير، و«تعفن الدماغ» هو كناية عن تراجع الدماغ في إنتاجه الفكري والابداعي نظرا لتضرر أهم منطقة في الدماغ ألا وهي (الناصية)، وعليه ضياع الأهداف - والهدف أهم ركيزة للإنتاج على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي، وجميع ما سبق نتيجة للاستهلاك المفرط في التمرير على المقاطع التافهة، والتي أصبحت خارج السيطرة.
ومن هنا يدق ناقوس الخطر في تدهور أدمغة النشء والشباب وأيضا الكهول، جراء الاستخدام المفرط للأجهزة وبالأخص المقاطع التافهة التي تسرق دماغ الفرد، إلى أن أصبح السلوك إدمانا وعادة لا شعورية، مما يجعل التوقف عنه شيئا مؤلما، وهذا الذي لا نأمل أن نصل إليه كمجتمع إسلامي له أهداف وثقافة ومبادئ ربانية تقاوم موبقات كثيرة قد وقع فيها الغالبية العظمى من المسلمين اليوم، حيث إن من الطبيعي أن الدماغ يتغذى على الممارسات الصحية، والتي منها:
- ممارسة القراءة لاسيما القرآن الكريم، فنحن أمة اقرأ، لذلك للقراءة أهمية في ديننا الإسلامي.
- العــبادات وسنامها الصلاة التي تكفل الراحة الدماغية من خلال الخشوع والطمأنينة والالتزام بأوقاتها.
- ممارسة الرياضة.
- التغذية السليمة.
- ممارسة عملية التعلم التي تعتمد على الحفظ، والفهم، والكتابة، والقراءة.
- التفاعل الاجتماعي الطبيعي.
- النقد البناء والتحليل والحساب والتفكير في إيجاد الحلول.
فما يحدث اليوم من ضبابية للعقل البشري تكمن في: قلة التركيز - والنسيان - وعدم القدرة على التفاعل - وبلادة المشاعر - وتقلص طاقة الصبر - والخمول الذهني - والعجز من القيام بالعمل العميق... وكل ذلك يعرض الفرد للتخبطات التي هي نتاج انحدار القيم لدى الأفراد دون أدنى وعي لما يحصل من تغيرات تبحر بها البشرية بلا شعور.
ومن رحمة الله بالعباد أن الدماغ البشري قادر وقابل على التشكل ما دام أن الإنسان يعمل بشكل إيجابي وجيد وفعال، حيث إن الدماغ يحتوي على نواقل ووصلات عصبية، تلك الوصلات كلما نمت كالشجيرات في شكلها كان الفهم والإدراك والتفاعل أفضل، وعليه صحة نفسية أفضل، أما ان كان العكس فمن الطبيعي تقلص تلك الوصلات ومع الوقت فإنها تنكمش وتموت.
ومــن الحلول في التصدي لظـــاهرة تعـفن الدماغ، لابــــد مـــن الشراكة المجـتمعية المتكـــافلة في رسم الخطط ووضع الاستراتيجيات التي تدعم دور الأسرة، والتي من شأنها تعزيز صحة الدماغ لأفراد المجتمع، على سبيل المثال: حملات إعــلامية ضخمة تشجع وتوجيه السلوك البشري في إيجـــاد الحلول البديلة في صناعة الوقت، كممارسة الريـــاضة والقراءة والتأمل والتقليل من استهلاك مواقع التواصل الاجتماعي قدر الأماكن بالاقتراحات التي يقدمها الاعلام والأنشطة التي تقدمها المؤسسات المجتمعية المختلفة - إلى جانب بيان عواقبها والترهيب منها - كما يجب على وزارة التربية والتعليم توجيه طاقات الطلاب إلى التفاعل الطبيعي بدل المصطنع، وتخصيص حصص تحتوي على ألعاب تعزز صحة ونشاط الدماغ، فهي من الضروريات والاحتياجات العصرية، حيث إن لوزارة التربية والتعليم أهدافا لا تقتصر على التعليم فقط وإنما التربية وتعزيز الصحة النفسية والدماغية قبل التعليم، وهذا أمر مهم يجب بناؤه وتفعيله داخل المؤسسات التعليمية اليوم، وذلك يرجع لتصدي الأضرار الدماغية الناجمة عن استهلاك التكنولوجيا بشكل عام.
sheikha_alasfoor@