حتى تتم تنشئة شخصية تتمتع بمكامن قوة لابد من مهارات يتمتع بها كل من المهندسين الوراثيين ألا وهما الوالدان ومن ثم المدرسة، وللأسف كلما تقدم بنا الزمن تتلاشى قيم كثيرة كانت أساس مكامن قوة البناء النفسي للفرد وانعكاسه على الأمن الاجتماعي والاستقرار الأسري الذي تتمتع به كل أسرة عربية آنذاك، ولأن تلك المكامن فقدت بشكل كبير، فأصبح هناك ما يسمى بالعنف الأسري والتنمر والعدوانية وقلة الوازع الديني واستقبال الأفكار الغربية بكل سهوله ويسر وتراجع مخرجات التعليم وتفشي ظاهرة التعري سواء على مستوى البيوت والأجساد.. وغيرها من الظواهر التي باتت قلقا كبيرا على مستقبل الأمة الإسلامية.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، حيث إن القوة لا تتم إلا بالامتثال لحصيلة قيم كبيرة، وشرط تأصلها بشكل كبير، ولأن الغالبية العظمى من الأسر اليوم قد فقدت السيطرة على تلك القيم لتلاشي المهارات التربوية لديها، إلى جانب فقد المدرس أيضا لتلك المهارات، وهذا يعني فقد القدوة الحسنة التي يتكئ عليها النشء في تعلم القيم التي هي نافذة الحياة.
ومما لا شك فيه أنه لا توجد تربية كاملة إلا ويعتليها النقص، فالكمال لله عز وجل، وإنما هناك أساسيات لا يجب اهمالها وصرف النظر عنها أو حتى مقاومتها تحت مظلة مسمى الحضارة التي بات لباسها الجهالة.
ومن القيم المهمة التي يجب أن تلتزم الأسرة والمدرسة في غرسها كمصدات لبوائق الزمن الحاضر اليوم هي: المهارات اللغوية: فاللغة مهمة في التعبير والرقي ـ وفن الصمت لقوله صلى الله عليه وسلم: «من صمت نجا» ـ والحياء وفن الحوار والاحترام والرفق في معالجة الأمور وكذلك احترام الوقت والالتزام، فتلك من المهارات التي يجب أن يركز عليها الكثير من التربويين المختصين سواء على الصعيد الأسري أو المدرسي. وعليه، فإن القيم سالفة الذكر تعلمها ليس بالأمر السهل وإنما هي مجاهدة نفسية كبيرة من قبل التربوي حتى يحقق الغاية المنشودة ويعلي من المخرجات التربوية والتعليمية على حد سواء، فالمهارات المتمثلة بالقيم لا تقف عند حد التلقين وإنما بالملاحظة والمناهج المبنية على تلك الاتجاهات بأدق تفاصيل المنهج، فإن نجحت المدرسة والأسرة اليوم في غرس ذلك، فإنها قد حققت مكامن القوة في النشء وزادت من الإنتاجية المنعكسة على حضارة ورقي المجتمع، وأختم بقول الله عز وجل في محكم كتابه: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).
خلاصة الكلام أن الدين هو مكامن القوة في النفس البشرية ومكامن القوة في النفس البشرية هي الدين، وقد قال أحد علماء السلف: «لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف»، فالسعادة هي العلاقة الوجودية بين العبد وربه، ومنها تنطلق مكامن القوة في الشخصية.
أسأل الله أن يطعمنا وإياكم لذة السعادة ويعلي من مكامن قوتنا ويعيننا على ما نحن راعون فيه.
sheikhaalasfoor@