تتعاقب الأجيال وتبقى الكويت الوطن العزيز أبية شامخة بشعبها المتأصل في قلبه حب الوطن، وتحت حكم رجال عاهدوا الله أولا على رفعة شأن الوطن وسلامة أراضيه ثم عاهدوا أبناء الوطن على بذل كل الجهود للحفاظ على المكتسبات والاستحقاقات التي تليق بوطن عزيز ومواطن كريم.
لقد استمعت وكلي آذان مصغية ووعي يقظ إلى خطاب صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه، وذلك بعد أداء اليمين الدستورية أميرا للبلاد، وقد تحدث سموه بلسان حال كل مواطن كويتي يعشق تراب الوطن ويشعر بالقلق إلى مآلات الأمور في السنوات الأخيرة، حيث انتقد صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله، السلطتين التشريعية والتنفيذية وقال إنهما تعاونتا على الإضرار بمصالح البلاد والعباد في ملفات عديدة وصفها سموه بـ «العبث المبرمج»، وذلك مثلما حدث من تعيينات ونقل في بعض المناصب وملف الجنسية وما يمثله من تغيير للهوية الكويتية وملف العفو وتداعياته، وملف رد الاعتبار والتسابق لإقراره، وقد عبر سموه عن حزنه العميق لسكوت أعضاء السلطتين عن هذه التجاوزات مما أصبغ عليها صفة الشرعية، وهذا السكوت ليس إلا صفقة لتبادل المصالح والمنافع بين السلطتين على حساب الوطن والمواطنين، وقد أكد سموه أن هذه التجاوزات جعلته يصدر قرارا سياديا بوقف كل التعيينات والنقل والانتداب لأجل مسمى، وأنه سوف يتم التعامل مع باقي الملفات.
والحقيقة أنني أعتبر هذا الخطاب التاريخي الذي كان دقيقا في ألفاظه وعباراته ومتسقا مع ضوابط الشرع والدستور والقانون هو انتصار للعدالة والنزاهة والشفافية والإصلاح الذي طالما كنا نطالب به ولم نيأس من الحديث والكتابة عنه، هو في الحقيقة نصر مبين لكل دعاة الإصلاح ومناهضي الفساد، والمدهش أنه يأتي موافقا للذكرى السنوية الثالثة لوفاة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ ناصر صباح الأحمد وكأن عدالة السماء أرادت أن تنصف سموه وترسخ في الأذهان مواقفه التي ستبقى خالدة في قلوب الشعب الكويتي.
لقد كتبنا مرارا وتكرارا عن أرض الكويت الولّادة ومعينها الذي لا ينضب من خيرة القادة الذين وهبوا حياتهم ليس لخدمة وطنهم فقط ولكن لخدمة الإنسانية جمعاء، ولقد استمعت إلى د. محمد العوضي على تلفزيون الكويت وهو يحكي عن تلقيه خبر وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مئواه، وكيف أنه كان يستعد لإلقاء محاضرة في تركيا عن مأساة أهالينا في غزة، حيث خيمت أجواء الحزن على قاعة المحاضرة المكتظة بمختلف الجنسيات، وهم يذكرون بكل الخير سمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد ومواقف الكويت الإنسانية المشرفة، ومن عجائب الأقدار أن يوم وفاة سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، رحمه الله، هو يوم وصول أول باخرة في العالم إلى ميناء العريش قادمة من الكويت قبلة العطاء والإنسانية، وهي محملة بأطنان من المواد الإغاثية لأهالي غزة، وهو الواجب الإنساني والنهج القويم الذي اعتاد عليه حكامنا الأجلاء لنصرة المستضعفين وإخوة الدين والإنسانية.
وفي الختام، نسأل الله العلي العظيم أن يتغمد صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد بواسع رحمته ومغفرته، ونسأله جل وعلا أن يوفق صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد وأن يسدد خطاه وأن يكون خير خلف لخير سلف، وأن يعينه على تحمل هذه الأمانة الثقيلة لتحقيق الأمن والرخاء للبلاد والعباد.