تعيش الجمهورية الألمانية هذه الأيام حالة من الانقسام السياسي والجدل الحاد تجاه أزمة اللاجئين السوريين بعدما تفاقم عددهم وتضاربت الأقوال بشأنهم، عدا تأكيد الأخبار بأن ألمانيا هي وجهة اللاجئين الأولى، لذلك أصبحت مسؤولية حل هذه المعضلة ليس بيد وزير أو مؤسسة بل من صميم القيادات السياسية العليا في البلاد، التي ما زالت منقسمة على نفسها في هذا الموضوع، فالحزب الاشتراكي الديموقراطي الحليف الرئيس في الحكومة حاليا أعلن أنه يفضل تشريع قانون جديد للهجرة وهو استقبال اللاجئين على نظام الحصص، أي تحديد عدد اللاجئين مسبقا، وبالتالي رفض أي لاجئين جدد، إلا أن هذا الاقتراح قوبل بانتقاد لأنه يحتاج إلى نظام توقعات مسبقة قد يتغير كثيرا حسب السنة الواحدة، وأما الحزب الديموقراطي المسيحي الحاكم برئاسة المستشارة إنجيلا ميركل فلم يطرح إلى الآن حلا للأزمة، عدا مطالب من داخل الحزب نفسه بضرورة القيام بإصلاح دستوري وتغيير بعض مواد الدستور حول الموافقة على قبول طلبات الهجرة، مما يوفر المجال القانوني لألمانيا لرفض الكثير من هذه الطلبات، لكن يبقى السؤال الملح: لماذا تبقى ألمانيا بلدا محببا أو مقصدا رئيسيا لمن يريد اللجوء؟ فحسب لقاءات أجرتها قناة التلفزة الألمانية ard مع بعض اللاجئين السوريين والعراقيين أو غيرهم في المجر والنمسا عن سبب ذلك، فذكر بعضهم كما تذكر الصحف الألمانية أن لهم أحلاما وردية حول ذلك، فبعضهم قال ان ألمانيا ستقبلنا بلا شك، وتقدم لنا السكن والمال بل والعمل، وقال آخر من الصعوبة بمكان أن تجد عملا في دولة غير ألمانيا وإن وجدت فليس بمجدٍ، أو ممن يبحث عن العلاج الطبي الجيد، ولأجل ذلك يعيش الألمان قلقا من هذه الأزمة المتصاعدة، فالألمان ليسوا كما رأينا من يرحب بقدوم اللاجئين في محطة قطار ميونيخ على سبيل المثال أو ممن يعارضون قبول اللاجئين، سواء بمظاهرات أو بالاعتداء، كما حدث من حرق لأحد مساكن اللاجئين في ولاية hessen أو غيرها قبل أيام، وذلك لأن كلا الشريحتين عددهم قليل ولا يمثل في الواقع الألمان أو جلهم، وهنا يظهر أيضا سؤال آخر: ما رأي الألمان؟ في الحقيقة أولا أن الكثير جدا من الألمان سعيدون بهذا السمعة الحسنة والطيبة لألمانيا في العالم والتي تعكس نجاح ألمانيا كدولة وشعب وثقافة واقتصاد، مقارنة بدول أخرى لا يفضلها اللاجئون أو لم يسمعوا عنها ـ كما صرح بعضهم ـ إلا أن الحقيقة توضح أن نصف الألمان لديهم مخاوف كبيرة من العواقب الناتجة عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا، مما سيؤدي لا محالة إلى ارتفاع الضرائب عليهم بسبب هذه الأزمة، كذلك من التطرف السياسي، أو من ارتفاع نسبة الجرائم، وهذا ما لا تضمنه الحكومة في قبول اللاجئين، فلقد وصل عدد طلبات اللجوء إلى 106 آلاف لاجئ فقط في شهر أغسطس الماضي والمتوقع أضعاف ذلك في نهاية هذا العام، مما قد يدفع بقوة في زيادة تنامي اليمين المتطرف الألماني في القيام بأعمال إرهابية، وهذا ما حذر منه رئيس الاستخبارات الألمانية علانية، ومن هنا يأتي هذا الانقسام في التعامل مع اللاجئين فهل هم لاجئون سياسيون أم اقتصاديون؟ وذلك لأن ـ وفق القانون الألماني ـ اللاجئ السياسي الهارب من الحرب في بلده من الصعوبة بمكان أن ترفض طلبه وتقوم بإعادته أو طرده إلا عند توقف الحرب الدائرة في بلده، وأما اللاجئ الاقتصادي أي الباحث عن عمل في بلد آخر فهذا من الممكن أن ترفض طلبه، وهذا ما حاول رئيس وزراء المجر قبل أيام التلميح به، أي إن الدافع الاقتصادي هو هدف هؤلاء اللاجئين.
ومما ضاعف هذه المخاوف عند الألمان أن بعض دول الاتحاد الأوروبي ترفض استقبال هؤلاء اللاجئين، وكأنها ترمي كل شيء على كاهل ألمانيا، فبعد أزمة الديون تأتي أزمة اللاجئين وفي كل مرة تقف ألمانيا في وجه المدفع في تحمل مشاكل أوروبا، مما حدا بوزير خارجية ألمانيا شتاينماير لأن يصل للمرة الأولى إلى التهديد الواضح بانقسام أوروبا بسبب هذه الأزمة، أي ربما يقصد نهاية الاتحاد الأوروبي سواء كان سياسيا أو اقتصاديا، فالمسألة ليست في قبول أعداد منهم بل في التدفق المستمر والمتزايد، وسط تخاذل دول أوروبية كثيرة عن المساعدة، وهذا ما يتطلب حلا واضحا في إيقاف فوضى اللاجئين، لكن هل تكون هذه الأزمة المستعرة بين دول الاتحاد الأوروبي سببا في ضغط أوروبي على الولايات المتحدة لوضح حل للأزمة السورية، والذي قد لا يربو على أمرين، فإما الموافقة حالا على إنشاء مناطق حظر جوي آمنة للسكان داخل الاراضي السورية ضد براميل بشار، مع ضمان وصول مساعدات لهذه المناطق باستمرار، أو إنهاء نظام الأسد عسكريا أو سياسيا مع ضمانات لجميع الأطراف السورية المتنازعة بتسوية عادلة، باستثناء الدولة الإسلامية.
[email protected]