جمعتني المصادفة بمعالي الأخ فاضل صفر وزير الأشغال السابق في حالتين من الطوارئ: الأولى، عندما وقع خلل عرضي في محطة معالجة مياه الصرف الصحي بمنطقة مشرف والتي غمرت بمياه الصرف الصحي بأكملها ما أدى الى توقفها عن العمل، وبناء عليه حضرت فرق الطوارئ مثل الدفاع المدني والإطفاء ووزارة الأشغال والكهرباء والجهات ذات العلاقة الحكومية والأهلية وأدلى كل منهم بدلوه وفقا لخبرته واختصاصه ومداركه في حل المشكلة، ولا غرابة في هذه الأحوال، فمن الطبيعي ان يسمع المرء الآراء المختلفة والإفتاءات المتنوعة وكثيرة التشعب، وقد تشعر بأن بعضا منها يدور كما تدور الساقية دون ان ترى سبب دورانها. لست ادري إلا أنني شعرت بالملل من الاستماع للمناقشات البيزنطية وكأنك ترى بعضهم جسدا واحدا ولكن أفكارهم شتى لا تلتقي أبدا، فقررت ان اخرج من غرفة العمليات الميدانية وكأن الهواء الطلق يناديني ويدعوني لمشاركته في التفكير بعيدا عن الآخرين وإذ أرى معالي الوزير يتمشى بينما يتحدث بالهاتف النقال، فجلبت معي قنينة من المياه الباردة وكأنها وسيلتي لفتح باب الحديث مع معاليه، حيث كان يبدو عليه الانشغال بالبحث عن الحل الأنجع لهذه المعضلة لأنها ضمن مسؤولياته أمام الحكومة والمجلس، فما إن أنهى مكالمته حتى سارعت بالسلام عليه مرة أخرى وعرضت عليه الماء فاستحسن تقديري لمعاليه وبادرته بالحديث، موضحا ان النقاش الذي دار داخل الغرفة والحلول التي تم اقتراحها لن تحقق الأهداف، ولصعوبة المشكلة وتعقيداتها فإنني أرى انها ستحتاج إلى فترة زمنية قد تتعدى الشهر، وبعد ان وضحت له الأسباب والعوائق التفت لي محدقا بعينيه وكأن لسان حاله يقول أعتقد أنك أصبت كبد الحقيقة، فأراد مزيدا من التوضيح والتفصيل، فشعرت انه اقتنع بالأسباب، وطلب البدء بالعمل لأهمية الموضوع، والحمد لله تم ذلك بنجاح ولكن المهمة استغرقت عدة شهور بتكاتف الجهود.
أما المصادفة الثانية فوجدته من أوائل الحاضرين لموقع حادث انفجار الغاز في مطبخ الحسينية في الأحمدي وتوافق أن فرق الإطفاء والإنقاذ استطاعوا ان يحددوا مكان الأشخاص المحشورين بين الركام بالسرداب، وبهدي من الله المعين تمكنوا من إيصال هاتف نقال لأحد المحشورين بهدف الاطمئنان عليه ولرفع معنوياته وكذلك لأخذ أي معلومات منه عن وضعهم، بينما كانت الجهود مستمرة لإنقاذهم وإخراجهم بأسرع وآمن وسيلة، ولقد أخذت الهاتف النقال للسيد صفر ليتحدث مع المصاب، حيث كان يتابع العمليات وهو في غرفة القيادة الميدانية للإطفاء قريبا من موقع الحدث مما سهل على معاليه ان يطمئن السلطات العليا في البلاد والتي تحرص دائما على رعاية ما يهم الرعية وما يحفظها في السراء والضراء.
مثل هذه الحوادث وكثير من المشاكل لا يقتصر وقوعها في وضح النهار او في الأماكن الحضرية التي يسهل على المرء الوصول لها بيسر وسرعة، وربما تقع في أسوأ الظروف الجوية حتى وإن كانت نادرة والتاريخ مليء بذلك. ما أود ان أصل إليه هو ان شخص وزير الأشغال بالإضافة الى العوامل التي يشترك فيها مع نظرائه يفضل أن يكون قادرا بدنيا ونفسيا للتوجه إلى أي موقع وفي أي فترة زمنية ليلا أو نهارا، ولا تعوقه الأحوال الجوية التي قد تكون محفوفة بالمخاطر ـ لا سمح الله ـ ولأهمية اختصاصات ودور وزارة الأشغال قد يضطر الوزير أحيانا إلى ان ينتقل لمواقع المشاريع ليتمكن من متابعة الإنجاز للخطط التي رسمت من قبل الحكومة، وألا يكتفي بقراءة التقارير أو الإنجازات التي ترفع او تقدم له من قبل القياديين، وخصوصا وكيل الوزارة او مديري الهيئات التي تقع ضمن مظلة إشرافه. هذه المقدمة البسيطة ما هي إلا رأي من مواطن حريص على ان تنعم بلاده دائما بخيراتها وان يسعد بخيراتها أهلها المواطنون وضيوفها الوافدون، وأن تنافس الدول بالرقي في جميع المجالات، حيث ميزها الله بأمير الإنسانية وجعلها مركزا للعمل الإنساني، لذا يجب ان يتميز أقطاب وزارة الأشغال وبعض الوزارات التي يفترض ان تتسم خدماتها بالديمومة ولا يحتمل انقطاعها إلا لأسباب قاهرة ولفترة منطقية، كما نلامسه بالدول المتحضرة.
لا شك، ان المنصب الوزاري يغلب عليه الطابع السياسي، وأكثر ما يقضي الوزير من وقت في وضع الاستراتيجيات ورسم الخطط، ولكن لنعلم ان أي خطة دون متابعة وتقييم مردها ضعف في التنفيذ ونتائجها الفشل مهما اتصفت بها من كمال. والوزير نفسه سيساءل ويستجوب من قبل القيادات السياسية والجهات الرقابية مثل البرلمان، وبالتالي هو من سيتحمل قصور وأخطاء وكلائه وعن أعمال وزارته او الهيئات التي يشرف عليها. الخلاصة ان بعض الوظائف شاقة ولا تناسب العنصر النسائي وخصوصا في دولنا نظرا لطبيعة الحياة والعادات والتقاليد والتي قد تكون صعبة شيئا ما ولا تتماشى مع طبيعة النساء.
وأرجو ألا يفهم من ذلك انه الانحياز للرجال، فالنساء هن النصف المكمل المجتمع واخوات الرجال وبناتنا او زوجاتنا او أمهاتنا اللاتي تربينا وأصبحنا رجالا على أيديهن. وكما لا نغفل حقيقة بعض الرجال الذين يفضلون العمل الإداري والفكري وقد لا توجد لهم ميول للعمل الميداني وهذا لا يعتبر نقصا او عيبا أبدا وانما سلوك إما ولدوا معه أو اكتسبوا أثناء نموهم.
قد يقول البعض ان الخروج للميدان ليس من مهام الوزير والجواب سليم نسبيا وقد يجانبه الصواب ولكن لبعض الحالات تستدعي الضرورة ان يعاين الوزير بنفسه بعض الحالات التي تعتبر ضمن جزيئة المتابعة والمراقبة حتى يضمن ان القيادات التي يشرف عليها تطبق الخطط بحذافيرها، وأحيانا تستلزم الضرورة أن يؤديها ليلا ونهار ودون سابق إنذار، وإلا فسيكون حاله مثل الممثلين الأبطال في الأفلام وسوف يرى الصور الناصعة الخادعة على الورق فقط خلافا للواقع المرير ويصبح مصدوما وقتئذ إذا وقعت الواقعة فلن يعينه ضرب كفيه.. وهنا مربط الفرس.