من الأحداث التي وقعت في أوائل الستينيات او حتى قبلها او بعدها بقليل، الاولى مع مجموعة من الصبية الصغار يلعبون في احد الفرجان او الاحياء، فمر بهم شخص ما مستوقفا اياهم سائلا بعدما قدم التحية: ايكم يسكن في ذلك البيت؟ فأجابه احدهم: انا، ولكن لم تسأل يا عم؟ فقال له ادخل واسألهم عن سبب تسرّب المياه من المدعاب (هو فتحة في اسفل الباب الخارجي للمنزل لتصريف مياه الامطار اوغسيل حوش او فناء المنزل) الى الشارع، اجابه الصبي وبكل براءة: وما الذي يعنيك يا عم؟ فقال الرجل: انا مراقب البلدية وهذه المياه قد تؤذيكم انتم والمارة ايضا ولأن الشارع يعتبر من المرافق العامة التي يجب المحافظة على نظافتها.
اما الثانية فكانت بعد انتهاء اليوم الدراسي لطلبة الابتدائية، حيث صادفهم منظر كان يبدو غريبا لهم، حيث امسك احد الرجال عربة آيس كريم جوالة وافرغ محتوياتها في كيس وقال مخاطبا العامل: هذا الفعل جوكم، اي يعتبر مخالفا للقانون، لذا احذرك تعود اليه فقد أعذر من أنذر، وفي المرة الثانية سأصطحبك الى الادارة لتتم محاسبتك بالعقاب المناسب، فتساءل جميع الاولاد واولياء امورهم لماذا هذا التصرف القاسي؟ وفقا لبصيرة كل منهم سألوا الرجل عن تصرفه ان كان مخالفا للدين والاعراف، فرد الرجل عليهم بكل طمأنينة وثقة: وانا مراقب الصحة وأؤدي واجبي بكل امانة واخلاص، فلا يجوز لهذا البائع ان يبيع اطفالكم وهم خارجون من المدرسة ذاهبون لمنازلهم حتى لا يفسد عليهم تناول وجة الغداء.
واما الثالثة والاخيرة ـ من الكثير ـ فحدثت عندما ترجل احدهم من سيارته سائلا العمال عن رخصة البناء الذي كانوا يشتغلون فيه فأشاروا الى المالك والذي بدت عليه علامات الربكة والتعثر في الاجابة: العفو يا سيدي لم استخرج الرخصة لأني كنت مشغولا وظننت ان العمل بسيط ولا يتعدى عن تشييد غرفة واحدة، فأجابه: لا يجوز يا اخي والترخيص حماية لك ويغنيك عن المساءلات القانونية، لو وقعت لا سمح الله اصابات للعمالة او المارة وكذلك اي مسؤوليات مستقبلية، فأرجوك راجع الادارة وانني متأكد ان الاجراء لا يستغرق اكثر من ساعة، فأرجوا المعذرة سأوقف العمل بقوة القانون.
هذه الصور حدثت في ستينيات الكويت البسيطة التي ترى فيها الصغار والكبار ينعمون بنقاء الهواء وصفاء القلوب وصحة النفوس وسمو المبادئ.
السيارات كانت قليلة والحارات كانت نظيفة وقوة التلاحم في بناء الوطن كانت صلبة عظيمة.. في تلك الايام نادرا ما ترى مسؤولا يتميز الا الذين يحتم عليهم عملهم الخروج الى المواقع، بينما كان انتشار مفتشي ومراقبي الحكومة ملحوظا بشكل كبير لدى العامة ولم تكن العمالة التابعة للحكومة بهذا العدد الضخم، ولكن الامور كانت تسير حسبما ما يرام.
اما اليوم فجميع المسؤولين يتمتعون بسيارات حكومية او المستأجرة لهم ونلاحظ تكلفة التعاقدات مع شركات العمالة تستهلك جزءا كبيرا من ميزانية الدولة سنويا ونسبة الانتاج متواضعة، وفي المقابل بالكاد ترى مراقبا او مفتشا او مديرا يتجول بالشارع على الاقل ليتفحص ويتابع مجريات الامور، ولذلك ليس غريبا ان يرى المرء بعد نهاية بعض المشاريع قصورا هنا او خللا هناك.
واما عن عمال النظافة فحدث ولا حرج، تراهم بعد صلاة الفجر بالزي الاصفر وكأنهم نوير الكويت، فبسرعة ما يختفون وكأن الشمس تحرقهم واعتقد لأنه لا حسيب ولا رقيب من الجهات المسؤولة.
وكأن اختصاص هذه العمالة حراسة الاشارات الضوئية في تقاطعات الشوارع وكلنا يعرف السبب.
ومن بعض توصيات سيدي صاحب السمو للحكومة الجديدة أن مسؤولياتهم كبيرة فعليهم مضاعفة الجهود واحترام القوانين وبذل الجهود وتلمس مشاكل الناس، وأخيرا نقول ان الموظف مهما ارتفع او نزل مستواه الوظيفي يجب ان يراقب اداؤه، ولكل وسيلته للتأكد من اتمام عمله وفقا لمعايير معينة وان الرقابة المسبقة او اثناء العمل او الملحقة ضرورة لتقويم الاداء للحصول على نتائج ايجابية تحقق الاهداف المرجوة.
وفي النهاية نقول بعد الحملة البناءة الاخيرة التي طهرت منطقة جليب الشيوخ شكرا لمدير عام البلدية الاخ احمد المنفوحي ووكيل وزارة الداخلية الفريق عصام النهام ومدير عام الاطفاء الفريق خالد المكراد والعاملين من الفرق التابعة لهم من الاخوة الافاضل ونناشدهم الاستمرار بهذه الجهود وفي جميع المناطق بالبلاد.