كنا متجمعين في إحدى الليالي بالديوانية كما هي العادة بعد صلاة العشاء، حيث يتألف روادها من الأقرباء والأصدقاء وبعض المعارف، بالإضافة الى عدد من الضيوف الأشقاء الخليجيين الذين تشرفنا بحضورهم ضيوفا علينا في تلك الليلة. وكالعادة بدأ الحديث عن البورصة وأثنى من أثنى من الذين حالفهم الحظ وفي المقابل اشتكى البعض الآخر من الذين قد يكونون خسروا في تلك الفترة وليس في ذلك غرابة فهذا طبع الأيام، يوم لك ويوم عليك، ومن ثم دار النقاش حتى وصل الى الأمور السياسية ابتداء من الولايات المتحدة وبالذات عن حديث الساحة الساخن وفيما يخص الأخبار عن الرئاسة الأميركية، ثم عرجوا بالحديث على القضايا المحلية وبالتحديد تشكيل الوزارة الجديدة وكان كل واحد من الجالسين يدلو بدلوه ويخرج ما به من تنبؤات وتحليلات وبقدرة قادر انحرفوا ووصلوا الى منصة أخرى وهي الحديث عن الأداء والخدمات العامة حتى توسعوا بالحديث عن القطاع الحكومي المسؤول عن الرعاية الصحية، فلاحظت ان الاخوان الخليجيين كانوا ينظرون بكل اهتمام الى المتحدثين وبآذان صاغية وبدا عليهم وكأنهم يتساءلون ولسان حالهم يقول هل هذا «منتدى» علمي ام اقتصادي ام ام ..الخ، وودوا ان يتعرفوا على هوية المتحدثين ان كانوا أخصائيين بهذه المواضيع. وهموا محاولين على استحياء السؤال عن شخوص أولئك الذين لم يتوقف حديثهم عند أي حد أو سقف مما يوحي للمستمع بأنه لا بد ان يكون صاحب القرار فيما يطرح من موضوع او على الأقل من الأعوان في ذلك المجال.
وكانت أبرز المواضيع التي حصلت على حصة الأسد الخدمات الصحية حيث لاقت رضا ومدحا فاق عبلة بجمالها وبأس وشجاعة عنترة بن شداد في زمانه، ولقد وصف أحدهم وضع المستوصفات والمراكز الصحية كأنها تضاهي مثيلاتها في القطاع الخاص في مجال الطبابة والرعاية التأهيلية لمساعدي الأطباء المسؤولين عن النقاهة واستشفاء المرضى وقد تصل الى مستوى 5 نجوم إذا جاز التعبير. وكذلك الإدارة والنظافة وسرعة الإنجاز. وقال الآخر انا صاحب سكري ويعني انه مريض بالسكر وهو داء العصر المنتشر في العالم وأراجع مركز دسمان للسكري وأثنى عليه بشكل ان بعضهم خانه الظن وأعتقد انه يصف احد مستشفيات أوروبا أو أميركا. وقال انه معهد إقليمي صحي متخصص للدراسات والاستشارات لهذه الأمور ويعتبر مفخرة ليس للكويت ولكن للعالم العربي واستطاع من خلال مديحه ووصفه بأن ينال إعجاب أغلب الحضور واستطاع ان يقنع من كان يعارضه ويغير الصورة الذهنية لديه، وقد تمكن من أن ينال إعجاب الجميع وخصوصا من إخواننا الضيوف الكرام وبهذا الحديث قارب الوقت على ساعة مغادرة الديوانية، فبادر احد الاخوة مستوضحا من الجميع أرجو ان تصدقوني الحديث، هل كنتم تمدحون وتزايدون على الخدمات الطبية والقطاع الصحي عموما أمام الضيوف حتى تظهروا البلد بالمظهر الجيد ام هي بالفعل هكذا فأنا قليلا ما أذهب الى مستشفيات الحكومة وليس لدي خبرة بها وتعودت على مراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة، وذلك لأنني أحصل على التأمين الصحي من القطاع الذي اعمل ومنذ بداية انخراطي في العمل بالقطاع الخاص فرد عليه أغلب الحضور بالإيجاب وقالوا لقد شهد القطاع الصحي العام تطورا كبيرا ملحوظا في الأعوام الأخيرة وللقائمين عليه دور كبير ولا نقصد الحاليين فقط فمن المؤكد ان هذا نتاج تخطيط أعوام طويلة ولكن ايضا للعاملين الحاليين وعلى رؤوسهم الإدارات العليا والوزير المختص انهم بلا أدنى شك استطاعوا استثمار كل الجهود وتميزوا بإكمل المسيرة ليصلوا الى هذا المستوى الفريد الراقي.
لا شك ان ما نراه اليوم في القطاع الصحي العام من رقي وشبه كمال تأتي ثماره من الروح النقية والنفوس ذات التطلعات العالية لأبنائنا وبناتنا العاملين في هذا القطاع ولا ننسى ان نستذكر شركاءهم بالعمل وبهذا الإنجاز اخوة من الأشقاء العرب وغيرهم من الأجانب، فلهم كل التحية والشكر والدعاء الحسن وللقائمين على رقي هذه المنظومة الصحية فلن ننساهم ونبادلهم التقدير لحرصهم وجهودهم لما وصلوا إليه، ونشيد بالحكومة الرشيدة وعلى رأسها سمو الرئيس الشيخ صباح الخالد الذي أكد من الساعة الأولى ان همه الكبير الكويت وكل من يعيش على أرضها من مواطن ومقيم ولن يألو جهدا لبذلي الغالي والرخيص في سبيل إسعاد ورفاهية الشعب الكويتي.
وإن كانت هناك بعض الهفوات والتخبطات فهي ليست من القطاع فقط ولكن أحيانا يكون مصدرها من المستفيدين ولكن علينا ان نتفهم ان مراجعي القطاع الصحي ظروفهم غير طبيعية بسبب مرضهم او تعاطفهم مع الذين يرافقونهم فعلى مقدمي الخدمة ان يفقهوا ذلك جيدا وان يضعوها بعين المراعاة، كذلك من الجانب الآخر على المستفيدين والمراجعين للمراكز الصحية الا ينسوا انهم سيحصلون على الرعاية الفائقة كلما أحسنوا للطرف الآخر وان يحبوا لغيرهم كما يحبون لأنفسهم فقد يكون الطبيب او الموظف محملا بهموم كثيرة وأعباء كبيرة قد واجهها قبل أو أثناء عمله فهم أيضا بشر مثلنا ولهم أسر وأبناء ومصالح فلا بد من الطرفين أن يتبادلا الإحسان والثقة فيما بينهم ويحسنوا الظن ببعضهم بعضا.