التحقت وبعض الزملاء في برنامج تدريبي تقدمي في منتصف الثمانينيات بالمملكة المتحدة وكان احد المحاور الرئيسة عن قيادة حوادث الحريق والانقاذ الكبرى بينما المحور الآخر عن الوقاية من اخطار الحرائق من خلال القوانين التي تنظم اشتراطات تصميم المباني والمنشآت لحماية الارواح والممتلكات من نتائج الحرائق، فكانت مكثفة وتركز على المعايير والمقاييس المتعلقة بمواصفات المباني وانظمة ومعدات السلامة من الحريق في المباني والمنشآت وكذلك وسائل النقل للمواد الخطرة والكيميائية والاشعاعية.
ووفقا للمنهج التدريبي في كلية الاطفاء كان يخصص واحد من كبار الضباط بالاشراف على برنامج معين ويساعده في ذلك فريق مؤهل ومن جميع الاختصاصات التي توفي بأهداف البرنامج. قبيل انتهاء ذلك البرنامج بأيام ابلغنا بأنه سيخصص ركنا مؤقتا خلال فترة الاستراحة في نادي الضباط لعرض بعض المقتنيات التي جمعها كبير الضباط اثناء خدمته الطويلة والتي سيستغني عنها بسبب احالته على المعاش. وعلمنا انه خطط لتهيئة نفسه بشكل مختلف للمرحلة القادمة وبعيدا عن مجال الاطفاء والحريق. وسيتفرغ لأحفاده ليقضي معهم ما تبقى من العمر في مزرعته بالريف الانجليزي الهادئ.
أعجبني كثيرا هذا التفكير، وبالوقت نفسه تخيلت وكأننا بمحطة القطار التي ينزل منها القادم من محطة سابقة ويصعد اليها المغادر الى محطة قادمة، فالشاطر من يسعد ويضحك في النهاية مع الاخرين وان الحياة عمل وجهد وتضحيات ولكن لأبداننا واهلنا في حياتنا ولمماتنا حقّا علينا والسعادة الطاهرة هي الاساس ودونها سيكون طعمها مرا لا يستساغ، قد يظن البعض ان السعادة شخصية فتكفيه نفسه ان يتنعم ويغرق بالملذات والاحلام الوردية، بينما السعادة الحقة تكمن بما يستمده المحيطون بالمرء من خلال ابتسامة او قول او عمل وفي كل خير.
يقول احد الاصدقاء تمكنت من خلال تنظيم وقتي بالتعاون مع زوجتي وابنائي ان استقطع يوما كاملا من كل اسبوع لقضائه مع والدي عندما بلغوا من العمر عتيا ووهنت قواهم، ورأيت انها فرصتي الحقّة لاقوم بواجبي لإرضاء الله وان ارد الجميل الذي أسداه الوالدان لنا اثناء شبابهما ولم يبخلاعنا بشيء، فكنت اسعد كثيرا عندما ارى الابتسامة على وجهيهما واسمع الدعاء من لسانيهما وعلامات الرضا في عينيهما فلم يعبني أن اكون لهما سائقا وخادما ومرشدا سياحيا، فلم اترك ذا صلة رحم الا ووصلوه ولا صديقا الا وزاروه واجتهدت ان اعيد ذكرياتهما من خلال اخذهما الى المناطق التي ترعرعا بها والاسواق القديمة التي كانا يرتادانها، وختاما تمكنت لقربي بهما ان اصل الى افئدتهما واتيقن من رضاهما علي وعلى اخوتي قبل الوداع الاخير لانتقالهم الى جوار ربنا وهذا ما ينشده اي انسان عاقل.
ولقد ذكر صديق اخر تجربته الاخيرة حيث اراد ان يستعيد الايام الجميلة التي قضاها مع ابنائه وبناته قبل ان يكوّنوا اسرهم وانتقالهم الى العيش مع ازواجهم وابنائهم فيقول: اقترحت عليهم ان نقوم برحلة خارج البلاد لوحدنا فترددوا بادئ الأمر ولكن استحسنوا الفكرة واستمالوا لها بهدف التغيير والتجديد وليقضوا وقتا يزيد من تلاحمهم وتوادهم، وفعلا انتهت رحلتنا بأقصى ما كانوا يتوقعونه من سرعة وسعادة والتقرب لبعضهم البعض من خلال الاثارة وقضاء وقت مختلف تماما عن الروتين الذي كانت ظروف عائلاتهم واعمالهم تفرضه عليهم.
ونختم مع متحدثنا الاخير فلقد خطرت على باله ان يقوم برحلة فريدة بمعية زوجته واصطحاب احفاده برفقة امهم الى خارج البلاد ووقع الاختيار على دولة الامارات العربية الشقيقة وكان الهدف ان يكون الجميع كجسد واحد ويهنأوا بجو من السعادة وبعيدا عن نمط الحياة الاعتيادي. ومرت الايام المعدودة وكأنها مختلفة في نمطها فقضينا بعضها في المدن الترفيهية المنتشرة بكثرة هناك وتحدثنا ولهونا لهوا بريئا مع الاطفال حيث بان عليهم الاستمتاع بوضوح فشعرنا انه كلما تقربنا اليهم زاد التصاقهم وافاض عليهم من لباس السعادة وهذا ما زاد من فرصة التقرب لبعضنا البعض ومن خلاله زاد احترامهم لنا وارتفع مستوى الدفء والحنان بقربهم فرجعنا محملين بتجارب وصور مرسخة بالاعماق فقصرت المسافات وقويت سبل التواصل كثيرا فيما بيننا فتلك حكمة من الحنّان الرحيم بخلقه سبحانه وتعالى وسنّة نبيه مربي الانسانية صلى الله عليه وسلم.
خلاصة القول ان السعادة من مقومات الحياه ومن ركائز العيش فلا غنى للانسان عنها حيث خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون على البر والتقوى.. ولقد جبلت الكويت واهلها ومنذ نشأتها على ان ترحب بكل من يسعى اليها من قريب او بعيد سعيا للرزق، وبسطت ايادي الخير لباقي المعمورة فصيتها انتشر بوسائل الاعلام المختلفة وخيراتها اصبحت شواهد حية عالية القمم في جميع دول العالم، واما البصمات الكويتية سواء من المواطنين الطيبين او الحكومة الرشيدة فظهورها كان واضحا ومازال بجلاء في نفوس اخوانهم من الاشقاء او اخوانها بالانسانية حيث لم يبخلوا ابدا بما انعم الله عليهم من رخاء ونعم التي انعمها الله عليهم.
فلم يفاجئنا ابدا الخبر منذ اعوام قليلة عندما منحت هيئة الامم المتحدة سيدي حضرة صاحب السمو امير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وسام ولقب امير الانسانية ولم يكن فضلا بل كان استحقاقا لا يشوبه ادنى شك.
كانت الكويت رائدة اقليميا بمجال الترفيه والثقافة الرياضة بما يعلي من شأن الجميع ولقد طرحت تساؤلات مخلصة ومنذ سنين عن سبب اغلاق المدينة الترفيهية وعدم ايجاد البديل لها.
لقد تكفل الديوان الاميري مشكورا بإقامة عدة مشاريع مميزة واثبتت مكاتنها محليا وعالميا ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
٭ حديقة الشهيد فهي قبلة الكثيرين للتنزه والقيام ببعض الرياضات.
٭ مركز عبدالله السالم الثقافي الذي ادهش زواره من جميع فئاتهم واجناسهم واعمارهم.
٭ مركز جابر الاحمد ودار الاوبرا التي تعتبر من معالم الكويت الحديثة.
ولقد نشر بالصحف الحلية منذ فترة قصيرة عن نية الديوان اخذ مهمة بناء المدينة الترفيهية فالدعوة موجهة الى الدولة والمسؤولين ان يلبوا هذه الرغبة لما لها من اهمية ولثقتنا بإمكانات وقدرات الديوان في الانجاز المبكر والمتكامل ويزيح بعض الثقل عن الجهات الحكومية صاحبة العلاقة ليتفرغوا لما لديهم من مشاريع عملاقة وبالأخص فيما يخص الخطة التنموية.
ودمتم سالمين غانمين.