ياسر العيلة
تزايـــد الحضــــور الدرامي للشخصيات المصابة بالأمراض العقلية والاضطرابات النفسية في الأعوام الماضية، إذ يستخدمها صناع الدراما في تحريك الحبكة بأعمالهم لأن حالات هذه الأمراض تزداد في المجتمع. ودراما رمضان هذا العام تشهد جرعة مكثفة من تسليط الضوء على القضايا النفسية والاجتماعية التي يعيشها أبطالها من خلال أكثر من مسلسل يعرض حاليا، ومنها «بعد غيابك عني»، الذي اعتمد على حبكة درامية مشوقة للكاتبة المتميزة علياء الكاظمي بما لديها من إمكانيات تجعلها قادرة على أن تترك أثرا إيجابيا في الأعمال التي تقدمها للجمهور، حيث تناقش في «بعد غيابك عني» الكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية في إطار درامي غير مفتعل. والعمل بطولة النجمة إلهام الفضالة التي تجسد شخصية امرأة تعاني من مرض اضطراب ثنائي القطب، والأشخاص المصابون بهذا المرض يكون لديهم فترات يشعرون فيها بالسعادة المفرطة والحيوية، وفترات أخرى من الشعور بالحزن الشديد واليأس والكسل، وبين تلك الفترات عادة ما يشعرون بالطبيعية.
تدور أحداث المسلسل حول شخصية الفنانة التشكيلية شاهة (الهام الفضالة) التي تتزوج من ابن عمها عبدالله (تركي اليوسف) رغما عنها، وتنجب منه ياسمين (ملك ابوزيد) بعد رفض والدها زواجها من شعلان (شهاب جوهر)، وتنتاب «شاهة» أيضا الكثير من المشاعر الخاصة بالكره والحقد لأخواتها شيماء (شهد سلمان) التي تعاني هي وابنتها فجر (ايمان فيصل) من قسوة زوجها بندر (سلطان الفرج)، والأخت الثانية بشاير (روان العلي) التي تعمل في قناة فضائية مع زوج أختها (عبدالله)، وفي الوقت نفسه ترتبط بعلاقة عاطفية مع يعقوب (عبدالله عبدالرضا) الذي يعمل معها في نفس القناة. تلتقي «شاهة» بحبها القديم «شعلان» بعد غياب طويل، وتكشفت لنا الأحداث أنه متزوج في السر من هنادي (شبنم خان) التي أخفت عنه حملها حتى لا يتركها، وتضغط «شاهة» على زوجها «عبدالله» ليطلقها وبالفعل يحقق لها مرادها رغم اعتراض أخواتها وابنتها، وينتقم «شعلان» من «عبدالله» بشتى الطرق.
وعلى الجانب الآخر، تزوج «شيماء» زوجها «بندر» من صديقتها نوال «مرام» حتى تتخلص هي وأولادها من قسوته عليهم، وبالرغم من تحذير «شاهة» و«بشاير» لها وأنها ستندم على هذا القرار إلا أنها تصر على رأيها، وفي المقابل يجهز «يعقوب» و«بشاير» بيت الزوجية، ونعرف أن «يعقوب» يعاني هو الآخر من ذكريات طفولة مؤلمة، حيث كان يعاني من تنمر والده عليه.
على مستوى أداء الممثلين نجد إلهام الفضالة متمكنة في دورها، فهي تنتقل من حالة لأخرى في المشهد الواحد بسلاسة، وتتفوق على نفسها في عدد مهم من «الماستر سين» على مدى الحلقات التي عرضت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المشهد الذي جمعها بوالدها «عبدالله الفريح»، وأنه كان السبب في التعاسة التي تعيشها منذ أن أجبرها على الزواج من ابن عمها «عبدالله»، ورفضه زواجها من حب عمرها «شعلان»، والمشهد الثاني الذي جمعها بزوجها «عبدالله» وهي تطلب منه الطلاق.
إلهام الفضالة ممثلة كبيرة أتقنت تجسيد شخصية مريضة «ثنائي القطب» بشكل مؤثر، وهذا الكلام سمعته من أحد الأطباء النفسيين الذي أشاد بأدائها، ويبدو أنها درست الشخصية وحضرت لها جيدا قبل التصوير.
أما الفنان تركي اليوسف فجسد شخصية «عبدالله» الزوج العاشق الذي تجمعه بزوجته قصة حب وعشق من طرف واحد وبذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار بيته وإنقاذه من الانهيار، خاصة أنه رجل أعطى بسخاء وضحى بالكثير ولم يجد سوى الجحود والنكران.
برع اليوسف في تجسيد هذه الشخصية الجديدة بالنسبة له بتمكن كبير، خاصة أنها ذات بعد إنساني جذاب جدا، حيث قدم دوره بإحساس عال، وطبع أحاسيسه على وجهه بشكل يستحق الإشادة.
وفاجأ شهاب جوهر الجميع بشخصية «شعلان» التي قدمها في المسلسل، وأثبت أنه يملك القدرة على سبر أغوار الشخصية التي يجسدها، ليقدمها لنا من لحم ودم، وبأسلوب «السهل الممتنع». جوهر وصل حد النضج الكامل لممثل يمتلك أدواته بحيث لا يمكن أن يمر علينا هذا الدور مرور الكرام في مسيرته.
عبدالله عبدالرضا وروان العلي وايمان فيصل وملك أبو زيد وشبنم خان هم النجوم الشباب في العمل، وكل واحد منهم قدم دوره بإتقان شديد، والجمهور أحب شخصياتهم في العمل وصدقوها لأنها تخبئ خلفها ممثلين حقيقيين يقدمون كل ما لديهم ليخدموا المسلسل.
أما بالنسبة للنجوم سلطان الفرج ومرام وشهد سلمان، فقد برهن كل اسم منهم على أنه أكثر من مبدع في دوره، ويؤكدون مرة جديدة أن أداءهم التمثيلي يفوق الشكل، وأنه مهما كانت الشخصية فقيرة أو غنية، طيبة أو شريرة، بسيطة أو ذكية، يعطون الدور حقه. كما ظهرت شهد سلمان بشكل مغاير عن أعمالها السابقة، ومرام متمكنة وكعادتها أبهرتنا بأدائها العفوي، وسلطان فنان من العيار الثقيل يملك أداء كوميديا مميزا. وأخيرا المخرج سائد الهواري كعادته تمكن بأسلوبه المميز من قيادة الممثلين، كما أنه طوع كل السبل والإمكانيات في سبيل نص العمل، وإبراز التفاصيل التي تخدم نجاحه ووصوله إلى المتلقي، والتأثير في المشاعر والوجدان بشكل احترافي.